Site icon هاشتاغ

الإمارات..”أرض الأحلام” القريبة و”بعيدة المنال”: آلاف السوريين يهربون من بؤس البلاد لتستقبلهم صدمة “مواجهة المستقبل”

هاشتاغ_ إيفين دوبا

لا تكاد تهدأ حركة الطائرات العابرة بين سوريا والإمارات. تحمل أحلام مئات السوريين إليها بتغيير واقعهم المأساوي الذي أنتجته سنوات الحرب المستمرة منذ أحد عشر عاماً.

لكن معظم هؤلاء الحالمين يعودون “بخفي حنين” بعد أن يتعرضوا للصدمة في الواقع الجديد ومتطلباته وشروطه وظروفه

“حلم” لخمسة أشهر

“أحلم بشراء منزل وسيارة وافتتاح شركة هندسية. لأني أتوق للعيش كما يعيش البشر”. يقول باسم محمد، خريج كلية الهندسة المدنية من جامعة دمشق. يعاني باسم كما أغلب السوريين من عدم الحصول على فرصة عمل مناسبة بأجر يتناسب مع الغلاء الموجود في سوريا.

يحلم المهندس الذي وصل به العمر إلى 40 عاما ببناء أسرة، ولكن الظروف الاقتصادية الذي يواجهها في سوريا جعل تحقيق الحلم بعيد المنال، بعد أن فقدت الليرة قيمتها في السنوات الأخيرة، ووصلت نسبة التضخم إلى 130 في المئة، وحلقت الأسعار بشكل يعجز معظم السوريين عن مجاراته، “لذا كان لا بد من السفر وتحديداً إلى الإمارات”.

يقول باسم لهاشتاغ: “قرأت عن العديد من إعلانات طلبات العمل في الإمارات. تحمسّت بدايةً وبدأت في جمع كل ما ادّخرته من أجل دفع تكاليف السفر. لكني تفاجأت من شروط العمل هناك”.

لم يستمر “حلم” باسم طويلاً. صُدم بشروط العمل التي تفرضها الشركات الإماراتية. ورغم حصوله على شهادة الإجازة في الهندسة المدنية، إلا أنّ مستوى اللغة الإنكليزية عنده كان أقل من المطلوب. كما أنه لا يملك شهادات خبرة عملية من سوريا تتيح له العمل في الإمارات.

عاد المهندس السوري إلى بلاده بعد خمسة أشهر. وهو يحاول اليوم تأمين مستلزمات الحياة الضرورية في سوريا. يقول:” على ما يبدو لا مجال لعمل السوريين في الإمارات ضمن مؤهلاتهم وخبراتهم التي قلصتها الحرب السورية”.

صدمة السوريين

الصحفي حازم عوض، مدير تحرير منصة “الاقتصادي” التابع لشركة مجرة، وكبير المحررين في “فورتشن العربية” يشرح معاناة السوريين مع السفر إلى الإمارات. يقول إنّ نسبة هجرة السوريين للإمارات ارتفعت بعد التسهيلات التي قدمتها الأخيرة. لكن الأغلبية صُدموا بواقع العمل المختلف عن سوريا تماماً.

ويضيف: “تزدحم مكاتب السياحة والسفر بآلاف الشبان لحجز تذكرة نحو “تحقيق الأحلام” في الإمارات التي أعادت فتح بوابة التأشيرات لمختلف أنواع الإقامات للسوريين، ولكن أغلبهم يعود بعد إنفاقهم لمدخراتهم. “

وفقا لعوض “يُصدم هؤلاء الشباب بالغلاء وبالمنافسة وضعف مؤهلاتهم العلمية، وبسوق العمل المختلف تماماً عن سوريا الذي يشهد نسب بطالة كبيرة .”

ويقول حازم عوض لهاشتاغ إنّ الإمارات أرض الأحلام ولكن ليس للشباب السوري، إنما للأشخاص الذين عندهم ميزات معينة وليست متاحة للجميع.

ويشير إلى أنّ الامارات ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة؛ اقتصاد متطور ومتنامي ومفتوح، وهي تفرض شروط عمل للمتميزين فقط بمعايير معينة.

يتابع عوض: “حين أطلقت الإمارات نظام الإقامة الذهبية كانت تهدف لاختيار معايير معينة ضمن فئات محددة مثل عالم، طبيب، تاجر، تقني وهؤلاء إمكانية الاستثمار لديهم في الإمارات جيدة جداً”.

مزايا الإمارات

تتربّع دولة الإمارات العربية المتحدة على قائمة الأفضل عالميا للعيش والعمل. وتدفع جودة مقومات الحياة التي توفرها، الملايين حول العالم لوضعها كخيار أول للإقامة والانطلاق في حياتهم العملية.

ففي عام 2021 صعدت الإمارات 10 مراتب لتتبوأ المرتبة الرابعة كأفضل وجهة عالمية للعيش والعمل، وفقاً لنتائج النسخة الرابعة عشر من تقرير “HSBC Expat Explorer” السنوي. هذه المزايا ليست متاحة لكل الطامحين إلى السفر، وإنما تشترط وجود ميزات عالية للعمل في الإمارات.

صدمة

الشاب عمرو ملا، أحد الذين اختبروا تجربة السفر إلى الإمارات، يقول “أحد أهم أسباب سفره إلى الإمارات مؤخراً، هو غلاء المعيشة، وغياب أقل ما يمكن من مقوّمات العيش في سوريا”.

ويضيف: “وصلت إلى الإمارات، ورأيت حياةً مختلفة تماماً، مقارنةً مع سوريا. كل شيء هنا مؤمَّن. لكن يحتاج إلى الكثير من النقود بشكل لم أتوقعه. إذ كان مخططي السفر إلى الإمارات وجمع الأموال خلال مدة أقصاها خمس سنوات ومن ثم العودة إلى سوريا لتأمين مستقبلي”.

تفيد التقديرات، أنّ عدد السوريين الإجمالي الذين حصلوا على تأشيرة الإقامة، أو يقطنون في الإمارات، وصل عام 2018 إلى نحو 430 ألفاً، فيما أفاد سفير الإمارات في كندا، محمد سيف هلال الشحي، في تصريحات صحافية عام 2017، إلى أن دولته “احتضنت على أراضيها نحو 250 ألف مقيم سوري، منهم 30 ألف طالب في مختلف المراحل التعليمية والأكاديمية في الدولة”.

أما اليوم، فالتقديرات تشير إلى أن أضعاف هذه الأرقام من السوريين الذين وصلوا إلى الإمارات، عادت أعداد كبيرة منهم دون أن يتمكنوا من تثبيت أقدامهم .

وفي ظل جاذبية البلاد للعمل والعيش، تشهد دولة الإمارات زيادة كبيرة في عدد السكان خلال السنوات القليلة الماضية وصلت إلى أكثر من 10 ملايين نسمة بنهاية 2021، نسبة المواطنين منها حوالي مليون ونصف المليون نسمة.

ويعيش على أرض الدولة أكثر من 200 جنسية لأغراض العمل والتعليم وغير ذلك.

يوضّح الصحفي السوري حازم عوض بأنّ عمر النهضة في الإمارات 50 عاما، ويلفت إلى تغير شروط العمل اليوم، “في السابق عندما كانت الإمارات في الطفرة النفطية كان المطلوب عمالة عادية من أجل إنشاء البنى التحتية. واليوم وصلت الإمارات إلى الطفرة التكنولوجية والتي لا تتطلب العمالة التقليدية، لذا فإنّ أغلبية السوريين يتفاجؤون بتطور المهنة والمهارات الموجودة ويشعرون وكأن الوضع في الإمارات من المستقبل بسبب القطع في تطور المهارات في سوريا تبعاً لظروف الحرب”.

شروط العمل والمستقبل

أرخت الحرب في سوريا بثقلٍ كبير على أهلها، لا سيما الشباب منهم، ووصل الحال بهم إلى الاصطفاف في خطوط طويلة للحصول على وثائق السفر، بحثاً عن فرص جديدة ليبدأوا منها صناعة مستقبلهم الذي كادت الحرب أن تقضي عليه، تاركين وراءهم ديوناً كبيرة تمّ سحبها من أجل تأمين ما يلزم للسفر إلى الإمارات.

واستفاد السوريون من انخفاض كلفة التأشيرة إلى الإمارات، إذ يبدأ سعر الفيزا للسوريين بـ 550 درهم لمدة شهر و1100 درهم مدة ثلاث أشهر. وتكلفة الإقامة 5000 درهم.

يشرح الصحفي عوض “أنّ الإمارات كانت تشترط قبل منح الفيزا السياحية للسوريين بسبب الأوضاع في سوريا، ولكن بعد التقارب السياسي في 2018 وفتح السفارة الإماراتية في دمشق وتطور العلاقات السياسية بات السوري يُعامل مثله مثل أي شخص آخر من أي دولة، وبالتالي تم منح التسهيلات للسوريين من أجل السفر”.

لكن بالمقابل – يوضح عوض- الشروط بالنسبة إلى العمل تطورت بشكل فاجأ العديد من السوريين الباحثين عن فرصة لتحقيق أحلامهم في الإمارات.

يشير أسعد مهنا الذي سافر إلى الإمارات مؤخراً، إلى أن “كثافة الهجرة السورية إلى الإمارات مؤخراً، هي بسبب حاجة السوريين إلى العمل، وليس حاجة الإمارات إلى العمالة السورية، لأنها قادرة على استقطاب أفضل أنواع العمالة وبكافة اختصاصاتها من مختلف أنحاء العالم بسهولة”.

لماذا يهرب السوري؟

ترى الخبيرة الاجتماعية وئام رستم أن “لهجرة السوريين بأعداد كبيرة إلى الإمارات أسباباً عديدةً، منها البحث عن مخارج للضغوط التي يعيشونها، بهدف الحصول على الراحة والرفاهية وفرص العمل، لتجاوز الواقع الاقتصادي المتأزم”.

وتقول لهاشتاغ إن “الهجرة إلى دبي صارت بمثابة تريند بالنسبة إلى السوريين، ومنهم كثر تأثّروا بما تم الترويج له عبر التواصل الاجتماعي”.

وتؤكد أن “الحالة خليط من أسباب اقتصادية، ومغامرة للحصول على فرص عمل، وعدم إدراك للواقع الحقيقي، معتقدين أن الحصول على عملٍ أمر بسيط في الإمارات”.

ويوافق حازم عوض رأي الخبيرة الاجتماعية، ويقول إنّ أغلبية السوريين الذين قرروا السفر إلى الإمارات لم يضعوا مخططات مناسبة. همهم الوحيد السفر وتحقيق الأحلام بعد أن ضاقت بهم السبل في سوريا.

ونتيجة للحرب السورية انكمش إجمالي الناتج المحلي في سوريا بأكثر من النصف بين عامي 2010 و2020. ودفع الانخفاض الكبير في نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي البنك الدولي إلى إعادة تصنيف سوريا كبلد منخفض الدخل منذ عام 2018.

ويرى العديد من السوريين أنّ مجرد السفر إلى الإمارات سيمكنهم من جمع الأموال بسهولة ومساعدة أهاليهم وعائلاتهم في سوريا، كما يفعل العديد من السوريين المقيمين في هذا البلد.

وكشف المصرف المركزي الإماراتي، عن أن إجمالي التحويلات المالية إلى الخارج عبر شركات الصرافة العاملة في الإمارات، بلغ 147.8 مليار درهم خلال العام الماضي. جاءت التحويلات الشخصية في المرتبة الأولى بقيمة بلغت 107.8 مليارات درهم، بنسبة 72.9 في المئة من إجمالي التحويلات.

وقفة للتفكّر

الصحفي السوري حازم عوض ينصح الراغبين بالسفر إلى الإمارات “بتقييم أنفسهم بشكل دقيق وفهم السوق والمعيشة والمنافسين، وقبول فكرة الولادة من جديد وإهمال الموروث السابق التي حملوها من سوريا كونها لن تفيدهم في الإمارات”.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version