الأربعاء, أكتوبر 9, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةأخبارمشكلة في الإنفاق

مشكلة في الإنفاق

هاشتاغ-رأي-نضال الخضري

تترك حرارة الصيف أثرا مختلفا في سوريا، فهي بالتأكيد مألوفة خصوصا عند مراجعة الأمثال الشعبية، فما تبقى من الذاكرة القديمة حديث عن “طباخ المشمش” أو حتى التين كإشارة لارتفاع الحرارة التي تؤدي لنضوج الفاكهة.

لكن ما يفاجئ معظم السوريين أن هذه “الطباخات” أو الموجات الحارة لا تملك تأثيراً في حياتهم، فالفاكهة لم تعد تترك ذلك الأثر العميق في نفوسهم، وأزمة “الإنفاق” تضعهم أمام مفارقة الحرارة المرتفعة والعجز عن الاستمتاع بموسم الفاكهة.

ما حدث لا يرتبط فقط بالحرب التي تعد عاملا أساسيا في التضخم الذي بدل مظاهر الحياة السورية، لكن المقلب الآخر أيضا هو في انتهاء “بريق” النشاط الزراعي الذي كان يمثل حالة فارقة وذلك على حساب النشاط العقاري، فحقول الكرز والدراق والمشمش في الريف الدمشقي على سبيل المثال تحول لغابات أسمنت من أجل الموسم الزراعي، وهذا الأمر بدأ منذ عقود وحول الحقول إلى نشاط آخر، وبدل من الثقافة الاجتماعية لتصبح الموجات الحارة من دون إرث ثقافي حقيقي.

رصد الحياة السورية تبدو متعبة، فهي تحولت قبل الحرب بعقود إلى نشاط مختلف غير المدن والأرياف، وإذا كان هذا الأمر ظاهرة ضربت معظم دول العالم وبأزمنة مختلفة لكنه في سوريا مختلف نوعيا، فالجغرافيا الضيقة للزراعة لا تتيح حالة التعويض التي تسود في بعض الدول الأخرى، ولا تترك مجالا لاسترجاع “الفاقد” الزراعي، أو حتى التحول نحو الصناعة، وجعل أزمة الإنفاق حالة مزمنة على الرغم من أنها تظهر اليوم إظهارا فاقعا نتيجة الحرب.

هناك إنتاج زراعي انتهى بالكامل، وإنتاج آخر ظهر خلال العقود الماضية، والتجارب في هذا الأمر لم تكن نتيجة محاولات تحسين الإنتاج بقدر كونها استجابة لأسواق شرهة لمنتجات محددة ولفترات زمنية قصيرة.

وحلم التصدير أدى دورا في رسم ملامح ثقافة خاصة للمزارعين، لكنه في النهاية كان يخضع لحالة استنزاف طالت بالدرجة الأولى الموارد المائية.

الأجيال الجديدة تعيش النتائج التي حولت سوريا خلال قرن كامل، وجعلت “أزمة الإنفاق” مركبة ومرتبطة بعوامل كان آخرها التضخم نتيجة الحرب والحصار، ووسط هذه التجارب فإن مساحة التفكير بالمستقبل تبقى خاضعة لاعتبارات لا ترى سوريا كـ”بيئة” متكاملة، بل جزر سكانية ومجتمعات محلية يمكن تحويل مصالحها بسرعة، فهذه البيئة ليست مكان إنتاج فقط بل واقع متشابك ما بين الثقافة والإنتاج وحتى حالة المناخ التي تبدلت جذريا خلال قرن من التحولات.

لا يمكن الوقوف بوجه التحولات البيئة لأن أثرها أصبح أمرا واقعا، ورؤية نهر بردى “الشاعرية” أصبحت مستحيلة بعد أن أصبح مسؤولا عن تزويد 5 ملايين من سكان دمشق، والممكن اليوم ووسط موجات الحر المتتالية التفكير من جديد بحالة التكامل البيئي وربطها بأزمات المواطن كلها، ابتداء من التوزع الديموغرافي الذي يعاني خللا واضحا وانتهاء بشكل المدن والأرياف التي غدت خارج “جودة الحياة”، فنحن لا نعاني موجات حر وأزمة إنفاق بل من تصورات مريضة لسبل تطوير حياتنا.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

مقالات ذات صلة