هاشتاغ – رأي: نضال الخضري
كل الحدث السوري يقف عند حدود العلاقات التي تبنيها المجتمعات المحلية، فالسياسة كانت منذ لحظات الاستقلال الأولى مجرد هامش لرسم صورة سوريا، وكل الصراعات بقيت في مساحة رؤية الناس لبلاد يستطيعون العيش فيها من دون ذعر أو خوف قادم نتيجة انهيار العلاقات الاجتماعية، فسوريا السياسية كانت هي “النخب” أما شكلها الاجتماعي فثقافة حياة ربما نشأت منذ فجر التاريخ.
العبث بالعلاقات داخل سوريا ظاهرة لا تصدقها غالبية الناس، لكن يمكن تكريسها بتهديد شرائح معينة، أو بالخوف الذي يظهر في انهيار الأمن الاجتماعي ليس بسبب نقص التمثيل السياسي؛ بل لأن صورة سوريا تتحول وكأنها مسرح لحرب مستقبلية، وما حدث في الساحل السوري نموذج للعبث بالعلاقات الذي جاء بتأثير من عدم القدرة على استيعاب النسيج السوري الذي يعطي هوية خاصة، فلا المظلومية السياسية أساس لما حدث ويحدث، ولا التحول السياسي، لكن العبث بالعلاقات هو ما جعل الانهيار خلاصة لكل المأساة التي يعيشها الساحل حتى اللحظة.
في سوريا تجارب سابقة لمحاولة الإخلال بهذا التوازن الذي يشكل لوحة رائعة فرضتها الجغرافيا، ونسقها تاريخ طويل من عشق الحياة، وكان أي عبث يؤدي إلى “كارثة” أقربها ما حدث عام 1860م في دمشق وبعض المناطق السورية، ولكن “الدرس السوري” بقي في الوعي العام الذي جعل انهيارات سياسية مثل نهاية الحكم العثماني تقف عند حدود واضحة من دون أن تخلق اضطرابا في الخريطة السورية عموما.
في الثورة السورية الكبرى في عشرينيات القرن الماضي ظهر الولاء الاجتماعي لسوريا، وكانت أحداث الثورة منذ بدايتها “عقدا اجتماعيا” غير مكتوب، رسم الدولة التي ظهرت بعد الجلاء، وجعل الجمهورية الأولى نموذجا مستمرا على الرغم من تعدد النظم السياسية، وتعاقب الأحداث والحروب، وبقيت “قيم الجمهورية” هي الروح التي حافظت على السلم الوطني.
الصور الجديدة لسوريا لا تبعث على التفاؤل؛ لأن الشكل السياسي الذي يتبلور يحاول التأثير تأثيرا مباشرا في العلاقات الداخلية، ويكسر كسرا متعمدا دورة الحياة الخاصة التي يعرفها السوريون منذ فجر التاريخ، فـ”أناقة” تلك العلاقة لا يمكن وضعها في برنامج سياسي؛ لأنها مغروسة في الوعي الجمعي، وفهم الأطراف الاجتماعية بعضها لا يحتاج إلى قوة قاهرة؛ بل إلى ضرورات البقاء والرغبة في “الاستمتاع” بالتنوع بدلا من الوقوف عند حدود صرامة اللون الواحد.
المسألة السورية لا يمكن أن تبقى أسيرة المؤتمرات الدولية والنقاشات الدبلوماسية، فهي حركة مجتمع يحمل تنوعا يصعب حصره، وهي أيضا شكل تاريخي فيه من الغرابة ما يجعل قراءته ضمن إجراءات سياسية صعب لأبعد الحدود، فالجغرافيا والتاريخ السوريان هما ملك الجميع ولا نستطيع وضعهما في أطر تراثية أو حتى أيديولوجية، فحركة السوريين هي مجال مفتوح لا تقيده أحداث عنف طارئة ولا زمن قصير، والجرح السوري يشكل درسا جديدا لعلاقات اجتماعية يبدو أنها موجودة في مورثات كل سوري.