الثلاثاء, أكتوبر 8, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةاقتصادتغيير هوية الطبقة الوسطى يهدد التماسك الاجتماعي في سوريا

تغيير هوية الطبقة الوسطى يهدد التماسك الاجتماعي في سوريا

هاشتاغ _ رشا سيروب

لطالما اتسمت سوريا بهيكل اجتماعي يخضع للتوزيع الطبيعي إحصائياً، أي نخبة صغيرة تتربع على رأس هرم الدخل (الطبقة العليا).

وكتلة أكبر بقليل من الفقراء أو الفقراء جداً (الطبقة الدنيا) تفترش أسفل هرم الدخل.

وفئة متوسطة كبيرة الحجم (الطبقة الوسطى) تتراوح بين 50%-60% تتكون من الموظفين والمتعلمين وأصحاب المهن الفكرية والحرفية وجزء من التجار والصناعيين “أو ما كان يعرف بالبرجوازية الوطنية”.

ومع التحولات الاجتماعية الأخيرة، شهدت سوريا تضخماً مفرطاً في الطبقة الدنيا تم تغذيته من انحدار شريحة كبيرة من الطبقة الوسطى بسبب معدلات التضخم المرتفعة وتآكل القدرة الشرائية.

لقد أصبح مفهوماً مقبولاً ومبرراً في العديد من دوائر صنع القرار ولدى عموم المواطنين: أن الطبقة الوسطى تتقلص.

بينما يحصد الأغنياء الجزء الأكبر من الغنائم في اقتصاد متهالك.

لكن في الحقيقة، فإن فكرة تقلص الطبقة الوسطى تخفي وراءها حقيقة أشد خطورة من تقلصها، وهي تغير قيم وخصائص هذه الطبقة، بحيث باتت تهدد الاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي.

10% من السكان يحصلون على ثلثي الدخل

رغم أن الإحصاءات المحلية لا تتضمن حساباً لتوزيع الدخل حسب شرائح السكان لمعرفة مآل التوزيع النسبي الجديد للطبقات الاجتماعية الثلاث، لكن بعض المشاهدات واضحة ولا تحتاج إلى بيانات.

يكفي رصد مدى التذمر الشعبي على وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشار مظاهر التسول وعمالة الأطفال في شوارع يشاد عليها مطاعم سبع نجوم وتجول فيها سيارات فارهة يعود تاريخ صنعها للعام 2022 وقرارات تستهدف من يرتاد هذه المطاعم ويقود تلك السيارات.

وباستخدام لغة الأرقام، فإن بيانات مسوحات الأمن الغذائي الأسري المعدّة من قبل المكتب المركزي للإحصاء بالتعاون مع هيئة التخطيط والتعاون الدولي ومنظمة برنامج الغذاء العالمي (WFP) كفيلة بكشف الحقائق.

إذ أظهرت البيانات أن نسبة الأسر الآمنة غذائياً كانت تمثل أقل من ربع السوريين في العام 2015 (23.3%).

وتقصلت خمس مرات في العام 2020 لتصبح فقط 5.1%.

بينما نسبة الأسر غير الآمنة غذائياً ارتفعت من ثلث السكان تقريباً في العام 2015 (31.2%) لتتجاوز نصف السكان في العام 2020 (55.5%).

هذا التحول الهابط في الطبقة الوسطى والتوسع بشكل مطرد للطبقة الدنيا يعني مزيداً من فرص الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، في بلد يعاني من الهشاشة في مؤسساته وانعدام الثقة في حكومته.

عادة تكتفي الحكومة السورية بنشر أرقام النمو الاقتصادي.

إلا أنها لم تخبرنا كيف توزع هذا النمو بين السكان أو من ربح أو من خسر من سياساتها الاقتصادية؛ لكن هذا لا يعني عدم توافر بعض المؤشرات الرقمية التي قد تعكس بعض الحقيقة.

حسب قاعدة بيانات اللامساواة العالمي World Inequality Database، فقد حصل العشرة بالمئة الأعلى دخلاً من السكان على 62.56% من الدخل و55.78% من الثروة.

أما أفقر 50% من السوريين فقد حصلوا فقط على 10.32% من الدخل و4.08% من الثروة، بينما الـ 40% من السكان حصلوا على 27.12% من الدخل مقابل 40.14% من الثروة.

القيم التقليدية للطبقة الوسطى

تتضمن آراء علماء الاقتصاد والاجتماع والسياسة فكرة جوهرية مفادها أن الطبقة الوسطى تتسم بمجموعة من القيم والتوجهات تميزها عن الطبقات الاجتماعية الأفقر (الطبقة الدنيا) والأكثر ثراءً (الطبقة العليا).

حيث يصف عالِم الاجتماع والاقتصاد السياسي “ماكس ويبر” الطبقة الوسطى بأنها “مصدر القيم الاقتصادية التي تؤكد على الادخار وتراكم رأس المال البشري، وتعزز النمو الاقتصادي“.

وبالتالي رفاهية هذه الطبقة تعتمد على المهارات والكفاءات أي تنمي ريادة الأعمال وتدعم الاستثمارات طويلة الأجل.

على خلاف الطبقة العليا التي تعتمد رفاهيتها، على رأس المال والدخل المتولد من الأعمال الريعية غير المنتجة.

وبمقارنتها -أي الطبقة الوسطى- مع الطبقة الدنيا، فإن الطبقة الوسطى أكثر تفاؤلاً وثقة فيما يتعلق بالمستقبل، مما سيؤدي إلى دعم أقوى للمؤسسات القائمة.

أما عالِم الاقتصاد “روبرت بارو” يقول “ترتبط الطبقة الوسطى بالاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي”.

في حين يبيّن عالِم الاجتماع والسياسة “سيمور ليبسيت” دور الطبقة الوسطى بأنها “تلعب دوراً مخففاً في تهدئة الصراع لأنها قادرة على مكافأة الأحزاب المعتدلة ومعاقبة الجماعات المتطرفة”.

أمام هذا التأطير القائم على آراء وتجارب الدول الأكثر تقدماً واستقراراً، يمكن القول إن الطبقة الوسطى هي العمود الفقري للتنمية الاقتصادية.

وهي الأقدر على تحقيق الاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي. وتعمل كحاجز أمان ضد الأزمات الاجتماعية، وانهيارها يعني الفشل والفوضى.

القيم الجديدة للطبقة الوسطى في سوريا

لا تتوقف خطورة التغير في التوزع النسبي للطبقات الاجتماعية وانحسار الطبقة الوسطى، بل تتفاقم خطورة المشهد عند تغير القيم التقليدية التي تتسم بها الطبقات الوسطى.

خلال السنوات العشر الماضية خسرت الطبقة الوسطى في سوريا معظم قيمها وسماتها الرئيسية، حيث تحول معظم الموظفين إلى الطبقة الدنيا.

ومع سياسات إلغاء الدعم الحالية -غير المستندة إلى أسس دستورية والمتنافية مع مفهوم العدالة الاجتماعية- انتقل أصحاب المهن الفكرية والحرفية والبرجوازية الوطنية إلى الطبقة الدنيا.

لتصبح الطبقة الوسطى الجديدة مكونة من صغار المنتفعين ومقتنصي الفرص تستنزف الاقتصاد وتفتقد لأدنى أخلاقيات المجتمع وقيم العمل.

إذ تعتمد في دخلها على نشاطات طفيلية تضر بالاقتصاد والمجتمع، مثل المضاربة على الليرة السورية والمضاربة العقارية، والتهريب والسرقة والسمسرة والاستفادة من منظومة الفساد والبيروقراطية الحكومية والترهل الإداري.

وبهذا اكتسبت الطبقة المتشكلة خصائص جديدة دون مستوى خصائص الطبقة الوسطى التقليدية ومختلفة جذرياً عن تلك القيم التي اتسمت بها الطبقة الوسطى في حقبة خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

وبذلك اختلفت التركيبة الاجتماعية والبنية الثقافية للطبقة الوسطى، فلم يعد نوع التعليم ومستواه أو العمل المنتج وجودته أو الوظيفة ذات الدخل الثابت معايير الارتقاء والانتقال من الطبقة الفقيرة إلى الطبقة المتوسطى.

بل على العكس أصبحت هذه السمات من أبرز عوامل تقليص الطبقة الوسطى وتوسيع الطبقة الدنيا.

وأصبح مصدر الدخل الريعي غير المنتج وغير الشريف هو بوابة الانتقال من الشريحة الأدنى إلى الشريحة الأعلى.

وبهذا انتفت هوية الطبقة الوسطى من كونها الحامل الاجتماعي والدعامة الاقتصادية لأي مجتمع إلى أكبر مهدد للنهوض الاقتصادي والاستقرار السياسي.

بناء على ما سبق، ومهما كان دور الحكومة وخطابها هو حماية الأسر الأكثر فقراً وهشاشة، تظل الطبقة الوسطى هي العمود الفقري لاقتصاد سليم ومرن وقادر على التكيف مع الصدمات.

وبالتالي فإن غياب القيم التقليدية لهذه الطبقة سيؤدي إلى تحويلها إلى أداة ممانعة لكيان الدولة ومهدد وجودي للتماسك الاجتماعي.

فالطبقة الجديدة أقل ارتباطاً بمفهوم الدولة والمؤسسات والقانون. وستقود إلى استمرار أسباب الفقر والفوارق الطبقية، مما ينعكس سلباً على الوئام الاجتماعي.

http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

مقالات ذات صلة