Site icon هاشتاغ

الدعم عملية حسابية أم وظيفة اقتصادية-اجتماعية؟

هاشتاغ سوريا- سينان عابد

يعد الدعم أحد أهم أدوات السياسة الاقتصادية التي تستخدمها الحكومات لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية معينة، منها تحسين مستوى معيشة الفقراء وذوي الدخل المحدود من خلال الدعم التمويني، وكذلك دعم الإنتاج الوطني لتمكينه من الاستمرار والمنافسة للنفاذ إلى الأسواق الخارجية أي دعم الصادرات، وبالتالي الحصول على قطع أجنبي وتعزيز المكانة التنافسية في الاقتصاد الدولي..

وقد تعرض مفهوم الدعم الاجتماعي في سورية إلى انتقادات متعددة، إلا أن معظم الانتقادات افتقرت إلى الدراسات الاقتصادية المعمقة (مركزة على الشكل دون المضمون) لقياس أثر الدعم ليس فقط في المستوى المعيشي للناس، وإنما في الاقتصاد الوطني ككل. وعلى سبيل المثال فإن الدعم المقدم لأسعار حوامل الطاقة، لا يسهّل إمكانية حصول الناس على التدفئة فقط، بل يساهم في دعم الإنتاج الوطني أيضاً، خاصة في الزراعة والصناعة. وبالتالي، يعتبر الدعم أداة لتصحيح الخلل/التفاوت الاجتماعي، ولحماية الإنتاج الوطني من المنافسة غير العادلة أو لتقديم التسهيلات الضرورية لمساعدته على النهوض والتطور، أو لتخفيض تكاليف الإنتاج بما يساهم في تخفيض الأسعار بالنسبة للمستهلكين.

تطبيق وصفات المؤسسات الدولية في رفع الدعم

رغم عدم الإعلان الرسمي عن تبني الحكومات المتعاقبة النهج الليبرالي في رسم السياسات، غير أن ما جرى فعلياً هو تطبيق لوصفات المؤسسات الدولية في رفع الدعم وانحسار في دور الدولة التدخلي في الحياة الاقتصادية. خلال الفترة (2004-2011) بقي الدعم ثابتاً بمقدار (25) مليار ل. س بالأسعار الجارية، لكن بالأسعار الثابتة لسنة الأساس 2000 (أي بعد إزالة أثر التضخم)، سنجد أن الدعم الفعلي قد شهد تراجعاً، إذ تراجع مقدار الدعم في عام 2004 عن العام السابق بمقدار (-4%) وكانت أعلى نسبة تراجع في العام 2008 حيث تراجع بمقدار (-14%) مقارنة بالعام 2007، وهكذا استمر الدعم بالتناقص والانخفاض طوال تلك الفترة.

وفي سنوات الأزمة شهد إجمالي مبلغ الدعم الحقيقي تراجعاً حاداً؛ فرغم ارتفاع المبالغ المخصصة للدعم، حيث قدّر مبلغ الدعم بالأسعار الجارية بمقدار (512) مليار ليرة سورية في العام 2013، ولكن بالأسعار الثابتة تراجع الدعم في العام ذاته عن عام 2012 بمقدار (-28%) وفي عام 2014 تراجع بمقدار (-55%) عن عام 2013، وفي عام 2016 تراجع بمقدار (-44%) عن عام 2015. ورغم ما تظهره البيانات من تحسن في قيم الدعم الحقيق بعد عام 2016 غير أنها لا تزال أقل مما كانت عليه في العام 2012، حيث بلغت نسبة الانخفاض (-53.5%).

وبلغ متوسط نسبة نمو الدعم (0%) خلال الفترة (2013-2019) أي لم تتم –عملياً- أية زيادة في مبلغ الدعم المقدم على خلاف ما تظهره قيم الدعم بالأسعار الجارية.

خلال سنوات الأزمة نسبة النمو في الدعم الحقيقي صفر

الدعم في العام 2020

لقد كان عام 2020 عاماً استثنائياً ليس فقط في تراجع الدعم بالقيم الثابتة، بل وبالقيم الجارية، حيث تم تقليص الدعم بمبلغ 438 مليار ل. س قدره (-54%)، نتيجة التراجع الحاد في دعم المشتقات النفطية. تشير بيانات الموازنة العامة للدولة لعام 2020 أن الدعم المقدّر يبلغ (1084) مليار ليرة سورية، حيث يشكل الدعم المقدم للكهرباء والمشتقات النفطية (66%)، ودعم الدقيق التمويني (31%). وأما الدعم المقدم للإنتاج الزراعي (1%) من إجمالي الدعم، ودعم المشتقات النفطية (1%) حيث انخفض دعم المشتقات النفطية من 430 مليار ل. س عام 2019 إلى 11 مليار ل. س عام 2020، أي بانخفاض قدره (97.4%)، علماً أنه يوجد إيرادات ناجمة عن فروقات أسعار المشتقات النفطية تتجاوز 1 تريليون ليرة سورية (لأول) لم تدرج في الموازنة بل تم الاحتفاظ بها لدى شركة محروقات.

في العام 2020 تم تخفيض دعم المشتقات النفطية بمقدار 97,4%

أرقام دعم المشتقات النفطية غير حقيقية ومبالغ بها:

وبالتالي انخفض الدعم المقدم لكل من الصناعة والمواطنين من المشتقات النفطية (هذا في حال كان المبلغ المحتسب حقيقياً، إذ كانت أرقام دعم المشتقات النفطية مبالغ فيها وغير حقيقية). حيث أنه في السنوات السابقة للأزمة الحالية -على سبيل المثال- كان استهلاك سورية من مادة المازوت حوالي (7) مليون طن كان يستورد منها (3) مليون طن، فكانت الحكومة تحتسب الدعم على أساس الأسعار العالمية لـ(7) مليون طن متجاهلة الكمية المنتجة المحلية وبالتكاليف المحلية، بالإضافة إلى المبالغ المتحصلة من تصدير النفط الخام.

وخلال سنوات الأزمة الحالية لا يوجد رقم دقيق حول تكاليف استيراد المشتقات النفطية نظراً لتعدد مصادرها، كما أن البيانات الرسمية غير متاحة أو لم نحصل عليها.

وبإجراء نظرة سريعة لأسعار البنزين في بعض الدول (بحسب سعر صرف الليرة السورية في مصرف سورية المركزي) نرى بأن سعر ليتر البنزين في مصر بتاريخ 9-5-2020 حوالي 173 ل.س، وفي إيران حوالي (40) ليرة سورية، وفي ماليزيا (127) ل.س، وفي روسيا (266) ل.س وفي العراق (274) ل.س ومن المعروف بأنه في سورية (250) ل.س للبنزين المدعوم؛ أي أن سعر ليتر البنزين في سورية يكاد يكون غير مدعوماً (بالنسبة للسعر المدعوم طبعاً)، وأن سعر مبيع 450 ل. س أعلى من السعر العالمي.

وحول الكهرباء، تشير البيانات بأن فاتورة دعم الكهرباء كبيرة جداً، حيث وصلت إلى نسبة (65%) من إجمالي مبالغ الدعم، وهذا يفترض بالجهات المعنية – قبل الحديث عن دعم قطاع الكهرباء – قياس قيمة الفاقد الفني والتجاري والذي كان مقدراً قبل الأزمة بـ 40%، ليتم معرفة مقدار الدعم الحقيقي وليس فقط الاسمي، إذ إن الأجدر بوزارة الكهرباء معالجة الفساد في قطاع الكهرباء بكل أشكاله والاستجرار غير الشرعي، ومن ثم الحديث عن مبلغ الدعم الحقيقي.

دعم الدقيق التمويني قدر موازنة 2020 مبلغ الدعم المقدم لمادة الدقيق بـ (337) مليار ليرة سورية أي ما نسبته (34.4%) من إجمالي مبالغ الدعم، وبعد تطبيق بيع مادة الخبز عبر البطاقة الذكية، وكما أوضح السيد رئيس الجمهورية في حديثه مع الفريق الحكومي المعني بمواجهة جائحة كورونا، بأنه تم تحقيق وفر يومي بمقدار (28) مليون ليرة سورية أي ما يقارب (11) مليار ل.س سنوياً وهذا فقط في محافظتي دمشق وريفها، وبالتالي في حال تمت معالجة الهدر في هذه المادة سينخفض مقدار الدعم الحقيقي المقدم.

11 مليار ل.س في محافظتين فقط وفورات من بيع مادة الخبز عبر البطاقة الذكية

تشويه المفاهيم

وبعد عرض أهم مكونات الدعم في الموازنة العامة للدولة لعام 2020، ونظراً للتراجع العام في مبالغ الدعم الحقيقية (والاسمية في عام 2020) يمكننا طرح التساؤل التالي: لماذا يتم التركيز على الدعم واعتباره سبب العجز، ويتم تجاهل الاحتكار والفساد والتهرب الضريبي؟ التي يمكن أن تشكل منافذ حقيقية لزيادة الدخل ومعالجة العجز بالموازنة العامة للدولة في حال معالجتها.. وتشير بعض الطرق التقديرية.

ضرب الاحتكار و الحد من الفساد و مكافحة التهريب الضريبي تشكل منافذ حقيقية لزيادة الدخل و معالجة عجز الموازنة

لاحتساب التهرب الضريبي إلى أن التهرب في سورية تراوح بـ (200- 300) مليار ليرة سورية قبل الأزمة، ويقدر بعض الباحثين بأن هذا الرقم قد ازداد كثيراً حالياً، آخذين بعين الاعتبار اقتصاد الظل، وهذا مبلغ من شأنه أن يساهم كثيراً في سد عجز الموازنة، وكذلك منفذ حقيقي لزيادة الدخول.

وختاماً، فإن مصطلحات “عقلنة الدعم” و”ترشيد الدعم” و”ايصال الدعم إلى مستحقيه” ليست إلّا مصطلحات يحاول البعض تحريف مفهوم الدعم واعتباره مجموعة أرقام تشكل عبئاً مالياً ناتجة عن عملية حسابية تحدد أبعادها الربح والخسارة، وفي هذا ابتعاد عن حقيقة ومفهوم الدعم الذي هو وظيفة اجتماعية وسياسية للدولة الهدف منها العدالة في توزيع الدخول وتحسين المستوى المعاشي للمواطن وتنشيط الاقتصاد على المدى القصير والطويل، وخاصة بأن معظم الدول الرأسمالية المتقدمة (المراكز الرأسمالية) تقدم الدعم الاجتماعي بهذا الشكل أو ذاك من خلال صناديق الضمان الاجتماعي وإعانات البطالة وغيرها الكثير، بالإضافة إلى الدعم الاقتصادي لأهم المؤسسات ونذكر على سبيل المثل لا الحصر شركات الطيران المدنية في أميركا وفي مقدمتها “بوينغ” وشركة طيران “ايرباص” الأوروبية.. وغيره من الأمثلة للدعم المقدم للصناعة والزراعة في المراكز الرأسمالية؛ فلماذا يحاول البعض تحويل الدعم من وظيفته الاقتصادية-الاجتماعية إلى عملية حسابية؟ وما الحكمة من ذلك؟ وماذا يستفيد الناس وخاصة الفقراء من ذلك؟ وهل توجد حسابات دقيقة لدى الحكومة عن التشابكات الأمامية والخلفية للدعم؟ وإن وجدت فلتطلعنا عليها..!

الدعم ليس عملية حسابية، بل وظيفة اجتماعية و سياسية للدولة

Exit mobile version