Site icon هاشتاغ

الدعم وسياسة الدوران بين القاع والقاع

عندما يتأخر تطبيق السياسات الاقتصادية عن الوقت المناسب لها سوف تزداد تكلفتها الاقتصادية والاجتماعية أكثر، وعند التفكير جدياً بإعادة تطبيقها سوف تتحمل فئة اجتماعية معينة ضريبتها بشكل شبه كامل، وسوف تختلف نتائج التطبيق أيضاً.

هاشتاغ-رأي-أيهم أسد

إن سياسة الدعم الحكومي التي كانت تاريخياً في أقصى حالات التعميم لها (الكل يستحق الدعم بغض النظر عمن كان وماذا يملك وما هو دخله)، تحاول الآن الانتقال إلى أقصى حالات الانتقاء من خلال انتقائها لفئات اجتماعية تستحق الدعم، هذه السياسة تنتقل من حالة اللاشروط لتوزيع الدعم إلى حالة أضيق الشروط لتوزيعه، وذلك بغض النظر عن القيمة المالية للدعم التي تتحدث عنها الحكومة سنوياً والتي باتت تلتهم بالمتوسط قرابة (40%) من المال العام في الاقتصاد.

المشكلة الأساسية في بنية الدعم اليوم هي في ندرة المواد المدعومة ذاتها، قبل أن تكون في آلية توزيعها، فحتى لو توفرت آلية جيدة للتوزيع فإن المشكلة باتت تكمن في مكان آخر تماماً، بمعنى أنه حتى لو تم رفع الدعم عن فئات اجتماعية واسعة جداً فالسؤال المركزي الذي ينتظرنا هو: هل ستتوفر المواد المدعومة (المحروقات بأنواعها والغاز والمواد التموينية والخبز) بشكل دائم يسمح لغير المدعومين بشرائها بالكميات الكافية والزمن المناسب وبالسعر المحدد حصراً، أم أن السوق السوداء ستعود بقوة مرة أخرى، وسيتسع نطاق الاتجار بتلك المواد؟

هذه الأسئلة تستمد مشروعيتها من أن توافر أغلب تلك المواد المدعومة أصبح مرتبطا بظروف خارجية سياسية واقتصادية أقلها القدرة على استمرارية توريدها إلى داخل الاقتصاد والقدرة على إمكانية تمويلها من قبل الحكومة بالقطع الأجنبي النادر أصلاً.

كان لدينا وفرة في الموارد والمواد المدعومة لكنه ترافق مع سوء توزيع، واليوم قد يكون لدينا أدوات جيدة للتوزيع لكنها مترافقة مع ندرة الموارد والمواد المدعومة، ويبدو أن الموارد وأدوات التوزيع لم يلتقيا في الاقتصاد السوري بالشكل الأمثل حتى الآن، وربما لن يلتقيا، ومع زيادات سكانية قادمة في سورية.

مع تراجع المستوى المعيشي للكثير من السكان بفعل تراجع القوة الشرائية للعملة الوطنية، فإن قاعدة الدعم مرشحة أكثر للاتساع مهما تم استبعاد فئات اجتماعية منها، فإما التخلي عن سياسة الدعم بالمطلق وتحرير الأسعار مقابل تصحيح الأجور وتوفير نظم حماية اجتماعية واضحة، وضرب الفساد لتوفير موارد مالية حقيقية للدولة، وإما الاستمرار بالدوران في القاع.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version