يهتم الكثير من العلماء بشكل لا يصدق بدراسة التغيرات في السعادة، أو ما يسمونه الرفاهية الذاتية، بمرور الوقت.
تتضمن الرفاهية الذاتية السعادة ولكنها تتجاوز قليلاً كيف يشعر الشخص في مراحل عمرية معينة وتشمل المزيد من الاستقرار.
فقد طرح باحثون مختلفون نظريات مختلفة حول ما يحدث للسعادة والرفاهية مع التقدم في السن، بحسب ما ورد في تقرير أعدته فانيسا لوبيو، أستاذة علم النفس في جامعة روتجرز-نيوارك، ونشره موقع “Psychology Today”.
السعادة والطبيعة الشخصية
يرجح بعض المنظرين أن الأمر يتعلق في الغالب بالشخصية، وأن الأشخاص السعداء سيظلون سعداء طوال الحياة، تمامًا كما من المرجح أن يظل الأشخاص المكتئبون مكتئبين.
يرى آخرون أن السعادة تزداد بالفعل مع تقدم العمر. على سبيل المثال، تعتقد باحثة معروفة تدعى لورا كارستنسن أنه مع التقدم في السن، يصبح الشخص أكثر تحفيزًا لإيجاد معنى لأحداث الحياة وتجربة أكبر قدر ممكن من السعادة في سنواته الأخيرة.
إن الجزء المركزي من هذه النظرة هو أن البشر يدركون تمام الإدراك أهمية الوقت وفكرة أن “الوقت ينفد”، وهو ما قد يدفع الأشخاص إلى البحث عن أشياء في الحياة تجعله أكثر سعادة مع التقدم في العمر.
ودعماً لهذه الفكرة، توصلت كارستنسن وزملاؤها إلى أن كبار السن أكثر اهتماماً بالحاضر من المستقبل، وأنهم، على عكس الاعتقاد السائد، أقل ميلاً إلى التفكير في الماضي، ويعيشون بدلاً من ذلك في اللحظة.
وهم يتفاعلون مع عدد أقل من الناس بشكل عام، ويدخرون بطاريتهم الاجتماعية للأشخاص الذين يعرفونهم ويحبونهم أكثر من غيرهم.
مفرطة في التبسيط
ورغم أن هذه النظرية منطقية، فقد أشارت الأبحاث إلى أنها قد تكون مفرطة في التبسيط، وأن التغيرات في السعادة والرفاهة الذاتية قد تعكس أنماطاً أكثر تعقيداً من التغيير.
على سبيل المثال، أفاد بعض الباحثين أن السعادة تقل مع تقدم الأطفال في السن ثم تزيد مرة أخرى مع اقتراب البالغين من سنواتهم الأخيرة.
وقد بحثت إحدى الدراسات، التي أجريت على أكثر من 500 ألف أميركي وأوروبي في السعادة والرفاهية من أوائل سبعينيات القرن العشرين إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وأفادت الدراسة بأن الرفاهية تتناقص بالفعل من الطفولة إلى مرحلة البلوغ، وتبلغ أدنى مستوياتها في منتصف العمر في مكان ما بين منتصف الأربعينيات وأواخرها، ثم تبدأ في الارتفاع مرة أخرى حتى سن الشيخوخة.
سن الأربعين والخمسين
وأفاد بحث تحليلي لأكثر من 400 دراسة، بانخفاض مستوى الرضا عن الحياة في مرحلة المراهقة (بين 9 و16 عامًا) ثم زاد حتى سن السبعين، مع انخفاض طفيف فقط بين سن الأربعين والخمسين.
وأفادت هذه الدراسة ودراسات أخرى أنه بعد سن السبعين، تنخفض الرفاهية مرة أخرى، نسبة إلى عدد من العوامل.
على سبيل المثال، في دراسة أجريت على ما يقرب من 2000 رجل على مدى فترة 22 عامًا، أفاد الباحثون أن رضا الحياة بلغ ذروته في سن 65 عامًا، ثم انخفض مع اقتراب الأفراد من الموت.
كما لعبت عوامل أخرى مثل الحالة الاجتماعية والصحة البدنية دورًا، مما يشير إلى وجود بعض الفروق الدقيقة التي يجب مراعاتها، مثل سمات الشخصية والتغيرات الكبرى في الحياة والجنس والوضع الاجتماعي والاقتصادي.
التحول في منتصف العمر
بشكل عام، يبدو أن هناك شيئين واضحين هما أن الإنسان يمكن أن يشعر بالفعل بفرح أقل بمرور الوقت في بعض النواحي، ولكن في أسوأ الأحوال، يجب أن يبدأ الأمر في التحول في مكان ما في منتصف العمر، عندما تبدأ السعادة في الزيادة مرة أخرى.
وتعد الفكرة منطقية نوعًا ما لأن الإنسان يمكن أن يفقد بعض الفرح، الذي عاشه كطفل مع التقدم في السن، خاصة عندما يكافح في منتصف مرحلة البلوغ في ترسيخ نفسه في مهنة وتكوين أسرة والتعامل مع الالتزامات المادية.
لكن الأمر يتحول في نهاية المطاف بالنسبة لكثيرين.
إذ يمكن رؤية في منتصف العمر بداية ارتفاع مستوى السعادة لدى البعض، بخاصة بعد التخلص من مخاوف الشباب وبلوغ مرحلة من الراحة مع النفس تتمثل في تحقيق بعض الإنجازات مثل الزواج وإنجاب أطفال وتربيتهم حتى يكبرون بما يكفي ليكونوا مستقلين.
الاعتماد على النفس
كما أن بعض علامات مرحلة الراحة، التي تؤدي إلى شعور بالسعادة، والتي يعتمد فيها الشخص على نفسه، تشمل تحديد المسارات المهنية، بل الروتين اليومي والاستمتاع بالتواصل مع أصدقاء قدامى.
لذا فربما رغم أن الشخص ربما يشعر بقدر أقل من السعادة مع التقدم في العمر، إلا أنه يستطيع أن يتمسك بالأمل في أن تعود إليه هذه السعادة مع مرور السنوات.