رغم إعلان وزارة التجارة التركية، في أيار/مايو الماضي، وقف التبادل التجاري نهائيا مع “إسرائيل“، إلا أن عمليات التصدير إلى المرافئ الإسرائيلية استمرت، وإن بزخم أقل.
وفيما وصل معدل التصدير، في الأشهر الثمانية الأولى من عمر الحرب، إلى ثماني سفن يوميا، قررت أنقرة، في أعقاب هزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية، في 31 آذار/مارس الماضي، تقليص حجم صادراتها إلى الكيان، ليشمل الحظر 54 صنفا، ثم، في الثالث من أيار/مايو، قررت الحكومة التركية وقف التصدير بالكامل، فتراجعت التجارة المباشرة إلى “إسرائيل”، وحلت محلها أخرى توجهت هذه المرّة إلى دولة فلسطين، وهي تجارة ارتفعت اعتبارا من الأول من حزيران/يونيو الماضي، لتبلغ مئات ملايين الدولارات، على أن تلك الحيلة لم تنطل على أحد، إذ إن المنتجات نفسها، من فولاذ وحديد وإسمنت وأسلاك شائكة وبارود ومواد كيميائية وغيرها، والتي كانت تذهب مباشرة إلى الشركات الإسرائيلية، أضحت تصدر إلى الضفة الغربية، علما أن الفلسطينيين هناك لا يستخدمون هذه المواد في أي صناعة، وتقتصر طلباتهم على المواد الغذائية والأدوات المنزلية.
وفي الوقت نفسه، استمرت الشركات التركية في التصدير إلى “إسرائيل” عبر موانئ دول ثالثة، إذ أظهرت الأرقام الرسمية أن التجارة مع اليونان مثلا عرفت زيادة ملحوظة بعد شهر أيار/مايو، تاريخ وقف التصدير.
وألقت صحيفة “قرار”، في عناوينها الرئيسة لعددي نهاري الجمعة والإثنين الماضيين، الضوء على استئناف التصدير التركي المباشر إلى “إسرائيل”، وكتبت: “الوجهة مجددا إسرائيل”، و”السفن مجددا إلى إسرائيل، هل انتهت الحرب في غزة؟”.
وأظهرت البيانات والوقائع أن عددا من الشركات التركية واصلت التصدير المباشر إلى “إسرائيل”، وفي مقدمتها شركة “إيتش داش” للفولاذ والطاقة والتي يملكها الأخوان بيرم وتاج الدين أصلان، وهي عضو في “جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلّين” التابعة لـ “حزب العدالة والتنمية”، علما أن جميع الشركات التي كانت تتاجر مع “إسرائيل” بعد “طوفان الأقصى” تنتمي إلى تلك الجمعية، وبالتالي تحظى بغطاء حكومي كامل.
ومن بين السفن الموثقة في البيانات، سفينة “راموس” التي انطلقت من ميناء “تشاناق قلعة” محملة بالإسمنت والفولاذ لمصلحة شركة “إيتش داش” في السادس من أيلول/سبتمبر الجاري، وبلغت ميناء حيفا في العاشر منه، علما أن هذه الشركة كانت تؤمن، قبل قرار منع التصدير، 65% من حاجة “إسرائيل” إلى الفولاذ.
ونقلت “قرار” عن الصحافي الفلسطيني، نعيم الأيوبي، قوله إن “السفن التابعة لإيتش داش لم تعد تشعر بالحاجة إلى التحايل والذهاب إلى إسرائيل عبر موانئ دول ثالثة، بل عادت ترسل السفن مباشرة إلى إسرائيل، وبلغ عددها حتى الآن 11 سفينة، طبعا مما هو معروف ومعلن”.
وأوضحت الصحيفة أن مركز حركة التجارة مع “إسرائيل” هو ميناء “جيهان” الذي ينقل النفط من آذربيجان إلى الكيان، لكن حركة السفن منه إلى موانئ الأراضي المحتلة لا تقتصر على النفط، بل تشمل كل شيء تقريبا.
كذلك، عرضت الصحيفة بيانات الملاحة في الشهرين الأخيرين، لعدد من السفن التركية بتواريخ مختلفة حول مكان انطلاقتها حتى وصولها إلى ميناءي أشدود وحيفا.
وتظهر البيانات أن الموانئ التي تخرج منها السفن التركية، وعددها 11 على الأقل.
ووفقا للكاتبة التركية فايزة نور تشالق أوغلو، التي سلطت الضوء على هذه المسألة، فإن “وزارة التجارة تلتزم الصمت حيال هذا الأمر، ولا تجيب عن الأسئلة حول السفن المغادرة، والأمر نفسه ينطبق على شركة إيتش داش، علماً أن أي سفينة تغادر تحتاج إلى إذن من الوزارة”.
وكان وزير الخارجية، حاقان فيدان، قال إن تركيا لن تعطي إذنا لأي سفينة متوجهة إلى “إسرائيل” قبل أن توقف الأخيرة عدوانها على غزة وتسمح للمساعدات الغذائية الخارجية بالدخول إلى القطاع بكمية كافية.
لكن بحسب تشالق أوغلو، فإنه “في الأيام الأخيرة، وخلال ثلاثة أيام فقط، غادرت إلى إسرائيل سبع سفن تركية من موانئ تركية مختلفة محملة بكل أنواع الخردوات والحديد”.
وفي أضنة، احتشد أعضاء من “جمعية شبان الأناضول” للاحتجاج على استمرار تدفق النفط الآذربيجاني إلى “إسرائيل” عبر تركيا، في وقت لا تدخل فيه نقطة نفط إلى غزة.
وخصصت صحيفة “مللي غازيتيه” التابعة لـ”حزب السعادة” الإسلامي المعارض، بدورها، صفحتها الأولى للحديث عن الوضع في غزة وازدواجية الموقف التركي.
ومساء الأحد الماضي، نظمت رئاسة الشؤون الدينية احتفالا في مركز المؤتمرات في إسطنبول تحدث فيه الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي قوطعت كلمته أكثر من مرّة بأصوات بعض من كانوا في القاعة، والذين دعوه إلى أن يكون إلى جانب فلسطين وغزة، وإلى إرسال السفن إلى غزة وليس إلى حيفا، والسماح لأسطول الحرية الجديد بالتوجه إلى القطاع، قبل أن تتدخل قوات الأمن المدني وتخرج المعترضين من القاعة.