هاشتاغ – (رغد البني- ألمانيا)
في الساعة الخامسة عصرا قبل ثلاثة أيام، أخبر موظفو “السوسيال” والمقصود بهم ” دائرة الخدمات الاجتماعية”، العائلات السورية في إحدى كامبات اللجوء (تجمعات اللاجئين) في برلين، أن عليهم إخلاء أماكنهم قبل الساعة الثامنة مساء، والانتقال إلى كامبات أخرى، وذلك حرصا على أن يعيش اللاجئون الجدد القادمون من أوكرانيا سوياً.
ورغم أن بعض السوريين طلبوا مهلة لصباح يوم ثان, إلى حين تجهيز أغراضهم للرحيل، إلا أن موظفي السوسيال هددوهم برمي أغراضهم خارج الكامبات ما لم يخرجوا في الوقت المحدد وذلك حسب إفادة الشابة السورية شام العمر في برلين، مبينةً أن بعض السوريين كانوا سعيدين بالقرار كونه تم فرزهم لكامبات أفضل، وآخرين نقلوا لأماكن أسوأ بكثير، والغرض كما قالت نقلاً عن موظفي السوسيال لم يكن نقل السوريين لأماكن أسوأ بقدر ما هو إبقاء الأوكرانيين مع بعضهم.
تلفت شام إلى أن هذا المعيار لم يؤخذ بالاعتبار مع قدوم اللاجئين من الجنسيات المختلفة سابقاً، ولم تُراعَ مسألة اختلاف الثقافات واللغة، فكان الأفارقة يعيشون مع العرب وكذلك الأفغان والإيرانيين والصرب والألمان وفي ذات الغرف.
“ليس من حق السوري الحديث عن تمييز”
وبالرغم من ذلك فإن الاختلاف في وجهات النظر تجاه التمييز بين العرب والأوكرانيين تختلف من لاجئ إلى آخر، فالبعض يتخوفون وخاصة بعد ارتفاع أسعار المحروقات وأجور العقارات من فكرة أن الألمان سيفضلون بالتأكيد تأجير بيوتهم لأوكرانيين على تأجيرها لعرب في حال تقدم الطرفان لاستئجار ذات المنزل، ما يعني أن فترة بقاء اللاجئين العرب في الكامبات ستطول أكثر.
وطرح هذه النقطة بحد ذاتها يعتبرها آخرون معيبة، فمثلا يقول اللاجئ السوري حسان النعسان إن السوري بشكل خاص والذي حصل على كافة أشكال الدعم المادي في ألمانيا ليس من حقه الحديث عن تمييز في تأجير البيوت أو أي تمييز آخر، “فهناك لاجئون يعيشون بإرادتهم في الكامبات دون محاولات جدية للبحث عن بيت أو إيجاد فرصة عمل، علماً أنهم يعرفون أن هذه الكامبات مؤقتة، لكنهم فضلوا البقاء فيها كونها لا تلزمهم بدفع فواتير كهرباء وماء وغاز على عكس الإقامة في البيوت، وهؤلاء في حال تم نقلهم لكامبات سيئة فيستحقون مصيرهم”، على حد تعبيره.
وأضاف: “الكثيرون ممن وصلوا إلى أوروبا يفكرون في أنفسهم فقط ولا يفكرون بآخرين يعيشون الحرب أيضاً لأنهم يعتقدون أن كل قادم جديد سيأخذ من حصة دعمهم، كونهم لا يريدون العمل والاندماج بالأصل”.
ثمان سنوات على حساب الدولة
وفي حين أن سوريين كثر رأوا في تعاطي الحكومة الألمانية مع الأوكرانيين تمييزا واضحاً بحقهم، إلا أن كثيرين لم يلمسوا هذا الفارق، مذكرين بحملات تعاطف إعلامية كثيرة رافقت أيضاً وصول السوريين إلى أوروبا، وبعضهم يعيش على مساعدات الدولة منذ ثمان سنوات، و في الفترات الأولى لوصولهم كانوا لا يدفعون أجور وسائط النقل العامة وجميعهم حصل على حق اللجوء خلاف جميع الجنسيات العربية والأجنبية الأخرى.
يرى ماهر النوري (لاجئ في برلين) أن التمييز لم يكن من حيث مزايا اللجوء، فالقانون يشمل الجميع وما يحصل عليه الأوكرانيون كان السوريون فعلا قد حصلوا عليه، لكن التمييز يخص النظرة إلى قدوم الأوكرانيين والتي لا تشبه بالتأكيد نظرة اللجوء تجاه العرب، حيث كان البرلمان الألماني شهد حملة انتقادات واسعة ضد حكومة ميركل التي فتحت الأبواب أمام اللاجئين، مثيرة موجة سخط اجتماعي وسياسي كبيرة بحقها، حينما قالت عبارتها الشهيرة “بإمكاننا إنجاز ذلك”..في إشارة منها إلى أن مساعيها باستقبال اللاجئين سوف تنجح. حتى صارت جملتها هذه محط سخرية وانتقاد في وسائل الإعلام الألمانية مع كل جريمة يرتكبها لاجئ عربي في ألمانيا.
الأوكرانيون أكثر اندماجاً
على الصعيد الحكومي، صدرت تصريحات سياسية عنصرية من مسؤولين وإعلاميين أوروبيين وهم يقارنون الأوكرانيين بغيرهم من الجنسيات. فمثلاً قال وزير العمل النمساوي إن اندماج الأوكرانيين في سوق العمل سيكون أسهل بكثير من اندماج السوريين. ورغم أن تصريحه أثار حفيظة عدد من السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن آخرين أيدوا الفكرة، فمثلاً يقول حسين رزق الله (لاجئ سوري في فرانكفورت): لا ننكر أن اللغة الألمانية هي اللغة الأجنبية الثانية الأكثر تعلماً في أوكرانيا بعد الإنكليزية، وبذلك يكون الكثير من الأوكرانيين تجاوزوا عقبة اللغة التي بقي السوريون يتعلمونها لسنوات.
وهذا الكلام تؤيده تصريحات مسؤولين في معهد غوته الألماني لتعلم اللغات. أما اللغة الروسية فتعتبر لغة رسمية في البلاد ولا تصنف في عداد اللغات الأجنبية.
وكذلك فإن الأوكرانيين ليسوا غريبين عن الحياة الاجتماعية والثقافية الأوروبية، ولن يواجهوا مشكلة في التعرف على ثقافة البلد المضيف.
تقول اللاجئة السورية “عبير زيتوني” لا ننكر أن الأوكرانيين كونهم أوروبيون بالأصل لن يواجهوا الصعوبات التي واجهناها كعرب, لكن المشكلة هي المقارنة بطريقة عنصرية وعلى أساس أن الأوكرانيين أكثر تحضراً من العرب، مستشهدة بفيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر لاجئ ملون يضرب بعنف على سياج دولة أوروبية في وقت يستقبل فيه الأوكرانيين بالورود والألعاب والثياب الجديدة على الحدود، ويسمح لهم بالصعود مجاناً في القطارات من بولندا إلى ألمانيا، في حين غرق مئات السوريين في البحر في رحلة وصولهم إلى أوروبا.
تعلق المواطنة الألمانية “جنيفر فريدريش” على فكرة تفضيل اللاجئين الأوكرانيين على العرب في حديثها لـ”هاشتاغ” بالقول: “ليس من المسموح أن يستغل مواطنون من دول أخرى ليس فيها حرب موجة اللجوء إلى أوروبا”، مستشهدةً بأن الافغان ليس لديهم حرب ولكنهم يريدون العيش في ألمانيا فقط. وأيدت تصرف شرطة فرانكفورت من حيث فرز اللاجئين على أساس جنسياتهم: “أعتقد أن الأمر لا يتعلق بلون البشرة ولكن من حقنا كألمان أن نعرف من يدخل إلى بلدنا حنيما يكون غريباً عن ثقافتنا”، مبينة أن التوجس من الجنسيات الأخرى ليس قائماُ على العنصرية، بل على أساس اختلاف الثقافة الاجتماعي، بغض النظر عن تحضر من عدم تحضر هذه الثقافات.
في حين أن متطوعون ألمان يقومون بمساعدة القادمين من أوكرانيا، ينتقدون تصرفات الشرطة الأوكرانية والألمانية معاً من حيث فرز الأجانب عن المواطنين الأوكرانيين في فيديوهات كثيرة سجلوها على مواقع التواصل الاجتماعي واصفين ما يحدث بأنه عنصرية مقيتة.
بين “الغزاة” وأصحاب العيون الزرقاء
أثارت تصريحات لمسؤولين أوروبيين تجاه موجة اللجوء الأوكرانية ومقارنتها مع نظيرتها العربية، الكثير من الانتقادات، فمثلا وصف البرلماني الإسباني رئيس حزب فوكس اليميني المتطرف، سانتياغو أباسكال، المسلمين بـ”الغُزاة”، في حين رأى أن الأوكرانيين هم لاجئون حقيقيون، ويجب على أوروبا استضافتهم بخلاف المسلمين الذين غالبيتهم مقاتلين في سنّ الحرب، وتم رميهم على حدود أوروبا لتهديد استقرارها وأمنها” حسب زعمه.
وأضاف “استقبلت أوروبا أكثر من مليوني لاجئ أوكراني لكن لن نستقبل مسلماً واحداً، لأننا لم نواجه هجوماً إرهابياً واحداً من مواطن أوروبي”. وتزامن حديثه مع تصريحات عنصرية أخرى، منها وصف كبير مراسلي شبكة سي بي إس نيوز تشارلي داغاتا الأسبوع الماضي أوكرانيا بأنها ليست “مثل العراق وأفغانستان”، قائلاً: “هي دولة متحضرة نسبيا”، وبعد فورة الغضب اعتذر لاحقاً عن تصريحه.
وكذلك قال نائب المدعي العام السابق لأوكرانيا “إنه أمر مؤثر للغاية بالنسبة لي أن أرى أوروبيين بعيون زرقاء وشعر أشقر يُقتلون كل يوم”. وقول الصحفي البريطاني فيليب كورثي: “نحن لا نتحدث هنا عن فرار سوريين من القصف، نحن نتحدث عن الأوروبيين الذين يغادرون في سيارات تشبه سياراتنا لإنقاذ حياتهم”.
ولا تختلف نظرته عن الإعلامي البريطاني دانييل حنان، حيث كتب في صحيفة التلغراف: “الأوكرانيين يبدون مثلنا كثيرا، هذا ما يجعل الأمر صادما للغاية، أوكرانيا بلد أوروبي. يشاهد أفرادها “نتفلكس” ولديهم حسابات على إنستغرام، ويصوتون في انتخابات حرة ويقرؤون الصحف غير الخاضعة للرقابة. لم تعد الحرب شيئا يتعرض له السكان الفقراء والبعيدون”.
وكرست مراسلة “إن بي سي”، كيلي سوبيلا ذات الفكرة العنصرية حينما قالت: “هؤلاء ليسوا لاجئين عراقيين أو سوريين.. هؤلاء لاجئون من الجارة أوكرانيا، وهذا بصراحة سببُ استقبالهم في بولندا، هم مسيحيون وبيض يشبهون سكان بولندا بشكل كبير”!
وأثارت هذه التصريحات موجة غضب واسعة، فمثلاً علق الكاتب الأمريكي من أصول مصرية مصطفى بيومي بمقال له في جريدة الغارديان بتساؤل”هل يستحق الأوكرانيون التعاطف أكثر من العراقيين والأفغان؟” مبيناً أن القول إن أوكرانيا ليست “مثل العراق وأفغانستان يعني أن “الأوكرانيين، على عكس الأفغان والعراقيين، وأنهم أكثر تحضراً منهم”.
وأشار إلى أن “نيجيريا اشتكت من منع الطلاب الأفارقة داخل أوكرانيا من الوصول إلى المعابر الحدودية البولندية؛ كما واجه البعض مشاكل على الجانب البولندي من الحدود”.
إثبات حسن النية
بعد هذا الجدل، يحاول الاتحاد الأوروبي أن يوازن الكفة ويعدل من حدة هذه النظرة القاسية تجاه الأجانب العرب وغير العرب، حينما أقر منح “الحماية المؤقتة” للاجئين القادمين من أوكرانيا، بما في ذلك المواطنين والأجانب المقيمين بشكل دائم هناك.
وقالت الوزيرة الألمانية نانسي فيزر “كان هناك اتفاق على أن الرعايا الأجانب الذين لديهم دليل على الإقامة في أوكرانيا سيعاملون مثل المواطنين الأوكرانيين”.
ورغم ذلك فإن دول مثل النمسا وبولندا والمجر عبرت عن مخاوفها بشأن منح “حماية مؤقتة” للاجئين غير الأوكرانيين. وبالنهاية فإنه التصريحات المناقضة والمطمئنة للأجانب في أوكرانيا لم تنف أن التمييز بحقهم مستمر حتى وإن اقتصر على التصريحات، رغم أن بعضهم تطوع في كثير من الولايات الألمانية لإظهار التعاون تجاه استقبال الأوكرانيين، وشارك المئات منهم في مظاهرات لصالح أوكرانيا، أو على الأقل عبروا عن دعمهم المعنوي بوضع العلم الأوكراني كصور شخصية لهم على مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة لإثبات تضامنهم وتعاطفهم مع الأوكرانيين.