هاشتاغ- سلام ارشيدات (عمّان)
فجر اليوم 16 من كانون الثاني/يناير الماضي، استيقظ الأردنيون على خبر مفزع، إذ أعلن الجيش استشهاد النقيب محمد الخضيرات وإصابة ثلاثة أفراد من قوات حرس الحدود، على الواجهات الحدودية الشمالية الشرقية بعد اشتباكات مع مجموعة من مهربي المخدرات القادمين من سوريا.
حرب علنيّة
على وقع هذه الحادثة، أصدر الجيش الأردني يوم 27 كانون الثاني/يناير الأخير، قراراً بتغيير قواعد الاشتباك، مع المهربين المتسربين عبر الحدود الشمالية والشرقية، وبذلك غدا أفراد حرس الحدود ملزمين بإطلاق النار فوراً على أي هدف مشبوه، بعد أن كانوا يطلقون ثلاث طلقات تحذيرية في الهواء قبل الإطلاق على الهدف.
وفي فجر اليوم الرابع لتطبيق القواعد الجديدة للاشتباك، أعلن الجيش عن مقتل 27 مهرباً فضلا عن إحباط محاولات تسلل وتهريب كميات كبيرة من المخدرات للأراضي الأردنية، ومنذ ذلك اليوم، انطلقت شرارة حرب علنيّة على مهربي المخدرات.
لم تقتصر حرب السلطات الأردنية على عمليات التهريب الحدودية، بل اتسعت لتضرب “بيد من حديد”، كما وصفها مسؤولون أمنيّون، المهربين والمروجين و التجار داخل البلاد، ولا يكاد يمر يوم دون أن تعلن مديرية الأمن العام، عن القبض على مجموعة منهم.
وفيما تواصل السلطات الأمنية في الأردن، ما أطلقت عليه “المرحلة العملياتية الجديدة” لضرب أوكار المخدرات، فإن التجار والمهربين، قابلوا ذلك بنشر إشاعات حول محاصرة مناطقهم الواقعة على الحدود الشرقية للبلاد، والتضييق على ساكنيها، ومنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، وهو ما اعتبره جهاز الأمن العام في بيان مطول، محض افتراء وتضليل، ومحاولات بائسة لزعزعة الثقة بين رجال الأمن والمواطنين الملتفين حول جهود محاربة المخدرات في كافة محافظات المملكة.
“مع مكافحة المخدرات”..
ومذ بدأت الحرب على تجارة المخدرات، أطلق ناشطون أردنيون، وسم “مع مكافحة المخدرات”، مستعرضين خلاله زخم الدعم الشعبي للأجهزة الأمنية، في معركتها ضد التجار والمروجين، خصوصاً في ظل انتشار السلاح معهم وارتفاع وتيرة الاشتباكات، بين الجانبين.
وتداول مواطنون، على مواقع التواصل الاجتماعي، صورا وفيديوهات قصيرة، لعمليات المداهمة، تظهر خطورة عصابات المخدرات، ومدى إجرمية أفعالهم، داعين إلى تكثيف الدعم الشعبي للجهات الأمنية، وقوات حرس الحدود، وجهاز الدرك، ومديرية مكافحة المخدرات.
وطالب أحد المغردين، بملاحقة “الرؤوس الكبيرة” في تجارة المخدرات، وتجفيف منابعها، فيما شدد آخر على أهمية الإعلان عن أسماء المجرمين المقبوض عليهم، وتحويلهم إلى محكمة أمن الدولة.
وسلّطت الأجهزة الأمنية الأضواء الإعلامية بشكل متعمد، على عملية مداهمة كبرى، جرت منتصف الشهر الحالي، لمزرعة مملوكة لشخصية نافذة وقريبة من شخصيات سياسية ووزارية في مدينة الكرك جنوبي البلاد، أسفرت عن ضبط نحو مليوني حبة كبتاجون مخدرة، وهو ما اعتبره محللون، إعلان حرب، على من وصفوهم بـ “وكلاء وتجار الداخل” من طبقة النافذين والمسؤولين في المملكة.
عزز وجهة النظر الذاهبة باتجاه نوايا ملاحقة الرؤوس الكبيرة زيارة أجراها مدير الأمن العام، حسين الحواتمة، قبل مداهمة مزرعة الكرك بأيام، لإدارة مكافحة المخدرات، أعلن خلالها عن تكثيف الجهود الأمنية والاستخبارية، لتجفيف موارد تجارة المخدرات، و اتخاذ أقسى الإجراءات ضد المتورطين فيها.
وأطلقت الحكومة استراتيجية وطنية لمكافحة المخدرات للأعوام 2020-2025، بهدف خفض العرض والطلب على المخدرات، وعلاج الإدمان ودمج ضحاياها في المجتمع.
وزير الداخلية، مازن الفراية، أوضح أن الخطة، تتضمن أربعة محاور: توعوي، وعملياتي، واستخباراتي، وقضائي.
وشهدت الساعات القليلة الماضية، عمليات مداهمة خطيرة، في مناطق الزرقاء، وإربد والرمثا الحدودية شمال المملكة، أفضت إلى القبض على 11 تاجرًا ومروجًا للمواد المخدرة، أظهروا خلالها مقاومة شديدة، إحداها كان بعبوة ناسفة بدائية الصنع، قبل أن تتعامل معها الأجهزة الأمنية.
في سياق متصل، اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي، على وقع معلومات تفيد بتقديم أحد مراكز الرعاية الخاصة، حبوب مخدرة، للأطفال المسجلين فيه، وهو ما أجبر وزارة التنمية الاجتماعية، المعنية بالرقابة على مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة، على نشر توضيح رسمي، يؤكد أن هذه القضية منظورة أمام القضاء منذ العام الماضي.
جرائم مروعة
بالتوازي، أرجعت أستاذة علم الجريمة، الدكتور خولة الحسن، ازدياد عدد جرائم القتل والسرقة في المملكة، بنسبة بلغت 242% عن العام 2012، إلى ارتفاع نسبة مُتعاطي المخدرات، نظرا لتأثيراتِها النفسية، والجسدية عليهم.
وبحسب مصادر رفضت الإفصاح عن هويتها، فإن الكبتاجون والكرِيستال ميث، غدت من أكثر أنواع المخدرات انتشاراً خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وأكثرها خطراً، إذ تسبب الذهان والهلوسات، وقد تؤدي إلى الجنون أو الانتحار.
ووفقا لتصريحات وزير الداخلية، مازن الفراية، فإن المضبوطات من المخدرات خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي، تعدت الكميات التي ضبطت خلال العام الماضي بأكمله، في حين تراجعت أعداد قضايا تعاطي المخدرات، مع ارتفاع ملحوظ في قضايا الاتجار والترويج.
وبيّن الفراية أنه تم ضبط أكثر من 3 أطنان من مادة الحشيش حتى الآن، بمعدل زيادة نصف طن عن العام الماضي، أما الهيروين فقد ضُبط 36 كيلوغراما، مقارنة مع أقل من كيلوغرام في العام الماضي، أما الارتفاع الأكبر، فكان لحبوب الكبتاغون التي ضبط منها ما يقارب الـ 40 مليون حبة هذا العام، مقارنة مع 16 مليون حبة ضبطت في العام 2021.
أستاذ علم الاجتماع، الدكتور حسين خزاعي، رجّح في حديثه لـ “هاشتاغ”، أن تسفر الحملة الأمنية الشرسة على أوكار المخدرات، عن حالة ردع مجتمعية عامة، تفضي إلى خفض نسب الجرائم المروعة التي انتشرت مؤخراً.
وذهب الخزاعي في رأيه إلى وجود بعد سياسي، لأزمة انتشار المخدرات، لمحاولة الضغط والتأثير على الأردن، وإلهائهِ عن قضايا خارجية مصيرية على مستقبل البلاد.
من جانبهم، تحفظ أعضاء في مجلس النواب، عن الرد على أسئلة “هاشتاغ” حول وجود مباحثات برلمانية خاصة بالخطة العملياتية الجديدة لمكافحة المخدرات مع الأجهزة الرسمية، فيما أوضح النائب خليل عطية، أن الملف محصور بالمؤسسة الأمنية، وليس من اختصاصات مجلس النواب.
لكنه توقع في حديثه لـ “هاشتاغ”، أن يبحث النواب تحت قبة البرلمان، بعض جوانبه الحساسة، خلال الدورة العادية المقبلة، وفق قوله.
قلق عابر للحدود
رئيس الوزراء، بشر الخصاونة، اعتبر في مقابلة مع بي بي سي عربي، أن عمليات التهريب المتقاطرة عبر الحدود الشمالية الشرقية مع سوريا، منظّمة وخطيرة، لافتاً إلى وجود نقاشات جادة تجري مع دمشق الرسمية، لتطويقٍها.
وهنا يرى المحلل والكاتب السياسي، زيد النوايسة، بضرورة التنسيق مع الدول الحدودية، وعلى رأسها، سوريا والسعودية والعراق، معتبراً أن الجيش في حربه الشرسة على عصابات المخدرات، لا يحمي الأردن فقط، إذ غدا حاجز صد عن تلك الدول، التي تستهدفها العصابات كذلك، لإغراقِ أسواقها ببضائِعهم.
كما أن عصابات تجارة المخدرات، استغلت الفراغ الأمني الحاصل على وقع الأزمة السورية، يقول النوايسة لـ “هاشتاغ”، منذ سيطرة الإرهابيين على مناطق شاسعة امتدت من الحدود العراقية فالرُكبان، وصولاً لباديةِ السويداء.