هاشتاغ – عبد الرحيم أحمد
لا يستطيع أحد من مناصري حزب الله أو من كارهيه وأعدائه، أن ينكر الدور البارز الذي أداه أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله على مدى 32 عاماً في تحويل حزب الله من قوة محلية تقاتل بوسائل تقليدية لتحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، إلى قوة عسكرية يحسب لها ألف حساب على المستوى الإقليمي والدولي.
اليوم وبعد الجريمة النكراء التي ارتكبها العدو الإسرائيلي باغتيال رمز المقاومة اللبنانية، مُلهمها، مُعلمها وهاديها، يتساءل الجميع على جبهتي الصراع، جبهة المقاومة ومناصروها من جهة، وجبهة العدوان ومؤيدوها من جهة ثانية. كيف سيكون شكل الحزب، شكل المواجهة والصراع بعد 28 أيلول 2024 يوم إعلان نبأ استشهاد السيد نصر الله رسمياً؟
شكل الحزب ليس على المستوى القيادي، إذ لا توجد مشكلة في اختيار القيادة البديلة وفق الآلية المتبعة في الحزب حسبما أعلن نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم في أول ظهور إعلامي له بعد استشهاد نصر الله، بل على مستوى الموقف والتأثير والقدرة على مواجهة العدو الذي تفلّت من كل القيود بعد نشوته باغتيال أكبر قيادات المقاومة وأكثرها خطراً عليه وتأثيراً في جموع مستوطنيه.
صحيح أن الحزب تعرض في مسيرته النضالية منذ تأسيسه عام 1982 لانتكاسات على مستوى القيادة بدءاً باغتيال ثاني أمين عام للحزب الشيخ عباس الموسوي عام 1992 وبعدها اغتيال القيادي العسكري البارز في الحزب عماد مغنية في دمشق عام 2008، لكن هؤلاء جميعهم مضافاً إليهم غياب قيادات الصف الأول في الجناح العسكري للحزب، لا توازي اغتيال نصر الله الذي كانت العواصم الغربية تربط الساعات على توقيت إطلالاته الإعلامية.
فالجميع كان ينتظر ما سيقوله نصر الله حول وجهة الصراع العربي الإسرائيلي وفي الصراع الغربي مع دول محور المقاومة، لأن ما يقوله سوف يتحقق. وقد قيل فيه إنه لم يخلف وعداً سواء في المواجهة العسكرية أم السياسية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي تقف خلفه القوى الغربية بترسانتها العسكرية، أم في عمليات تحرير السجناء اللبنانيين والعرب واستعادة رفات الشهداء من الاحتلال الإسرائيلي وغير ذلك من العهود التي قطعها وأوفى بها.
اليوم ينقسم العالم بين من يعتقد أن الحزب وعلى الرغم من الضربات الموجعة التي تلقاها بدءاً بجريمة البايجر وصولاً إلى اغتيال قيادات الصف الأول من الجناح العسكري، وانتهاءً باغتيال ملهم الحزب سياسياً وعسكرياً ومعنوياً أمينه العام السيد نصر الله، لا يزال حزب الله قوياً وقادراً على المواجهة ولن يتأثر نظام “القيادة والسيطرة” وإدارة المعركة لديه بسبب ما يتمتع به من ديناميكيه ومرونة عالية، وتسلسل في القيادة تجعل من إمكانية الترميم السريع أمراً متاحاً وفورياً.
بالمقابل يرى الأعداء والخصوم أن الضربة المؤلمة التي تلقاها الحزب قصمت ظهره ولن يكون كما كان في السابق، ويعولون على هذا الأمر لتحقيق خروقات ميدانية عسكرية وبالتالي تغييرات جوهرية في الصراع تجعل الحزب ينكفئ ويتراجع أمام الضغوط العسكرية والسياسية لفرض تسوية بالقوة العسكرية الضاربة التي أظهرها العدو الإسرائيلي في حربه الأخيرة.
في كلا الحالتين، هناك تطرف في القراءة التحليلية لوضع حزب الله بوصفها قوة مقاومة جرى تنظيمها وتدريبها وتسليحها على مدار ثلاثة عقود ونيف، اكتسبت فيها خبرات عسكرية ميدانية سواء من الحروب التي خاضتها مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، أم من المعارك التي شنتها ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا إلى جانب الجيش العربي السوري والجيش الروسي.
فالحزب، بلا شك، سوف يتأثر بغياب نصر الله وإن كان لا يزال ملهما لشباب المقاومة ليس في لبنان فقط بل في ساحات الدعم والإسناد على مستوى سوريا والعراق واليمن، لكنه لن يكون من الضعف بما يجعله ينكفئ أو يتراجع ليجعل العدو الإسرائيلي قادراً على تغيير مسار الصراع وفرض شروطه وإعادة تشكيل المنطقة وفق هواه، كما يحلو للبعض في جبهة العدوان تصوير الأمر.
فالقوة العسكرية الجوية الضاربة التي يمتلكها العدو الإسرائيلي معروفة للجميع وعلى رأسهم قيادة المقاومة وشبابها حاملي السلاح، لكنها لن تستطيع مهما تجبرّت ودمّرت أن تحسم صراعاً كالذي يجري على جبهة لبنان مع فلسطين المحتلة، لما تمتلكه هذه الجبهة من جغرافيا داعمة لمصلحة المقاومة، ولما تمتلكه المقاومة من قوة عسكرية منظّمة ومدرّبة تستطيع أن تواجه بها أي قوة برية متوغلة وأن تلحق بها خسائر لا يمكن للكيان تحملها.
وقد أظهر الحزب، على الرغم من كل القصف الجوي الأعنف في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، أنه مازال يقود العمليات والضربات الصاروخية ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي سواء في شمالي فلسطين المحتلة أم في عمق الكيان المحتل وصولاً إلى تل أبيب، في سياقٍ تصاعدي، بدأ باستخدام صواريخ (فادي 1 و2) وصولاً إلى الصواريخ البالستية (قادر ونور).
لذلك سيبقى الميدان هو الحكم في ميدان الصراع بعيداً عن التحليلات السياسية والإعلامية الرائجة هذه الأيام، والتي غالباً ما تكون محمولة على الرغبات من جهة وعلى تبعية المنافذ الإعلامية التي تطل منها والأفواه التي تطلقها من جهة ثانية. وستبقى الحقائق التي نعلم بعضها وتلك الكثيرة التي نجهلها ويجهلها الكثيرون، هي الحكم.
وفي غياب نصر الله، ستبقى كلماته وتوجيهاته حاضرة تلهم أجيالاً كثيرة من المقاومين يستمدون منها القوة والعزيمة لصراع قال عنه السيد إنه “طويل” وأن “الأيام الليالي بيننا” و”يقيناً سننتصر”، فلننتظر الأيام والليالي.