السبت, سبتمبر 7, 2024
HashtagSyria
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةاقتصادروسيا تواجه العقوبات الغربية بالتكيّف: التهريب طوق نجاة

روسيا تواجه العقوبات الغربية بالتكيّف: التهريب طوق نجاة

أجرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية تحقيقاً موسعاً حول اقتصاد روسيا في زمن الحرب، وكيف لم ينهر بالسرعة التي توقعها الغرب في ظل عقوبات عزلتها عن العالم وسلاسل الإمداد للصناعة وصيانة المعدات وحتى أبسط الأمور، وفيما يبدو الأمر مفاجئاً إلا أنه باختصار صورة من صور “التكيّف” مع المعطيات وشق جيوب خفية لضمان استمرار الحياة والبقاء.

عائدات النفط والغاز

عندما تم فرض أشد العقوبات في آذار/مارس، توقّع بعض الاقتصاديين حدوث انهيار سريع في الاقتصاد الروسي، ربما بنسبة تصل إلى 30 بالمائة لكن هذا لم يحدث، حيث استمرت عائدات النفط والغاز في التدفق وسرعان ما تعافت العملة.

وبدلاً من ذلك، فإن ما يظهر هو شيء مختلف – ليس تدهوراً دراماتيكياً، ولكن تدهوراً ثابتاً لقدرتها الإنتاجية، وهو ما يجادل الاقتصاديون في كل من روسيا والغرب بأنه يدفع بالبلاد إلى الوراء لعقود.

نقص الإمدادات

وتقريباً تكافح معظم القطاعات الروسية من نقص الإمدادات، حيث تعاني الشركات الزراعية للحصول على إطارات للجرارات، في حين أن شركات الطيران غير قادرة على تأمين مكونات أجنبية لإصلاح طائراتها، وحتى صناعة الدواجن بات لا يمكنها استيراد البيض المخصّب أو الكتاكيت من هولندا.

وتُظهر البيانات من الشركاء التجاريين لروسيا أن الواردات الروسية انخفضت بنسبة 20-25 بالمائة منذ بداية الحرب – وهي ضربة لبلد راسخ لعقود في الاقتصاد العالمي.

من جانبها قالت الخبيرة الاقتصادية في معهد التمويل الدولي، إلينا ريباكوفا: “إذا نظرت إلى الأدوية، والإنتاج الكيميائي، وبناء الآلات، والمعادن، والتعدين، فمن الصعب العثور على صناعة في روسيا لا تعتمد على الواردات لما لا يقل عن 50 بالمائة من المدخلات”.

وبالتالي، سيضطر المستهلكون إلى إعادة التكيّف مع خيارات محدودة للسلع وجودة أقل للمنتجات التي يمكن أن تعيد للأذهان الحرمان الذي حدث في أواخر الحقبة السوفيتية.

وتوقعت ريباكوفا، أن يستمر الأمر على هذا النحو لمدة 15-20 سنة.

وحالياً، يعتمد مستقبل روسيا الاقتصادي طويل الأجل على ما إذا كانت موسكو ستكون قادرة على إنتاج بدائل محلية بسرعة للسلع الأجنبية التي لم يعد بإمكانها الوصول إليها، أو الحصول على نظائرها من دول “صديقة” مثل الصين.

ووفقاً لأبحاث “البنك المركزي الأوروبي“، فقد تراجعت الصادرات من “الولايات المتحدة” إلى “روسيا” بنسبة 85 بالمائة في آيار/مايو مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، ويتوقع “البنك الدولي”، و”صندوق النقد الدولي”، ومؤسسات أخرى انخفاض الواردات الروسية هذا العام بأكمله بمقدار الربع عن العام السابق.

وخلال الفترة من حزيران/يونيو إلى آب/أغسطس من هذا العام، بلغت الواردات الروسية 4.5 مليار دولار شهرياً، وهذا أقل مما كانت عليه في عام 2021، وفقاً لمعهد “كيل للاقتصاد العالمي”.

التهريب

تعّقب تحقيق “فايننشال تايمز” الذي اطلعت عليه “العربية.نت”، مجموعة من الأشخاص الروس المتخصصين في التهريب، والذين استثمروا العقوبات في جني أرباح طائلة من نشاط كان مجرماً من قبل في روسيا، لكنه أصبح أحد سبل النجاة لاقتصاد يعاني وطأة العقوبات على سلاسل الإمداد.

وبالنسبة لأحد المهربين الذين قابلتهم الصحيفة، خلقت القيود الجديدة أرض الفرص.

في الماضي، كان المستوردون الرسميون يشحنون البضائع الأجنبية إلى روسيا، ولم يكن هناك سوى القليل من الطرق لدخول لاعب جديد.

كما أن محاولة استيراد العلامات التجارية بشكل غير قانوني لم تكن مفيدة أيضاً، حيث كان هناك طلب ضئيل.

وأضاف: “حالياً أي شيء مطلوب ويمكن بيعه”.

وفي الغالب، يشتري المهرّب سلعاً من خلال “شركات واجهة” – وهي شركات تعمل في السر في مجالات أخرى غير ما تعلنه أو تبدو، وعادة تستخدمها أجهزة الاستخبارات الدولية لإخفاء طبيعة غرضها – ثم يتم إرسال المنتجات في شاحنات من الاتحاد الأوروبي إلى إحدى دول الاتحاد السوفيتي السابق التي تشترك في اتحاد جمركي مع روسيا، مثل كازاخستان وأرمينيا.

وكشفت المقابلات مع المشاركين في هذه السوق السرية عن تجارة مربحة، ولكن تحمل مخاطر كبيرة وغير مستقرة إلى حد كبير، والتي سيكافح الاقتصاد الروسي المحاصر من أجل الاعتماد عليها.

يأتي ذلك، بعد أن تركت العقوبات الغربية العديد من الشركات تتدافع للحصول على منتجات وقطع غيار ذات علامات تجارية أجنبية مهمة.

3 دول تمثل طوق النجاة وتأخر الانهيار

نظراً لنقص قطع الغيار المستوردة، كان إنتاج السيارات أحد أكثر القطاعات تضرراً، حيث انخفض الإنتاج بنسبة 80 بالمائة تقريباً في أيلول/سبتمبر مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، وفقاً لخدمة الإحصاءات الحكومية الروسية “Rosstat”. ودفع الركود المسؤولين إلى تخفيف بعض متطلبات السلامة خلال فصل الصيف فيما يتعلق بالفرامل المانعة للانزلاق ووسائد الأمان.

كما باع العديد من صانعي السيارات الغربيين وبائعيها أعمالهم الروسية بحيث لم يتبق سوى 14 شركة تصنيع سيارات في السوق مملوكة للمشترين الروس، وفقاً لتحليل صناعي نُشر في كانون الأول/ديسمبر. وكانت جميعها علامات تجارية صينية باستثناء 3 علامات تجارية محلية، بما في ذلك شركة السيارات التي تعود للحقبة السوفيتية “لادا”.

من جانبه، قال ملياردير مقرب من الكرملين إن الربح المحتمل من السلع المهربة مرتفع للغاية، متوقعاً أن حتى السلع الكمالية ستواصل طريقها إلى البلاد دائماً، بغض النظر عن العقوبات.

وأشار إلى أنه اشترى خلال الصيف سيارتين من طراز “مايباخ” بدلاً من “مرسيدس” التي يريدها لكنه لم يستطع الحصول عليها. وكان الهدف من شراء 2 بدلاً من واحدة، هو أنه إذا تعطلت الأولى، فيمكنه استخدام الثانية كقطع غيار.

وتوقع أن تكون الأمور صعبة لمدة سنتين، أو 3، أو حتى 4 سنوات. بعد ذلك سوف “نتأقلم”.

وأشار إلى نموذج إيران وكيف توصلوا إلى تأمين سلاسل التوريد الخاصة بهم.

وحتى الآن، تجنّب الاقتصاد الروسي أسوأ التوقعات، إذ يقدّر الاقتصاديون انخفاضاً في الناتج المحلي الإجمالي بما يتراوح بين 3.5 و5.5 بالمائة هذا العام.

ويرجع ذلك جزئياً إلى أن عائدات التصدير ظلت قوية، وتبحث روسيا بشكل متزايد عن مشترين بديلين لنفطها.

وعلى سبيل المثال، كان هناك ارتفاع في الصادرات إلى روسيا من بين البلدان التي من خلالها تقوم بعض الشركات بتغيير مسار التجارة. إذ ارتفعت الصادرات إلى روسيا من قبل دول مثل تركيا وكازاخستان.

في حين بات الاتحاد الأوروبي يصدر بضائع أقل بنسبة 43 بالمائة إلى روسيا خلال الفترة من حزيران/يونيو إلى آب/أغسطس، ويقابلها زيادة في صادرات الصين بنسبة 23 بالمائة أكثر، وفقاً لمعهد “كيل”.

ولكن في حين لم يكن هناك تفكك للاقتصاد، يعتقد المحللون أن النمو طويل الأجل سوف يتراجع إلى حد كبير، حيث إن القيود المفروضة على الواردات تقضي على إمكانية التحديث التكنولوجي.

وقالوا، إن الصناعات المحلية التي ينتهي بها الأمر لتحل محل الورادات غالباً ما تكون غير فعالة، كما أن تدفق الواردات من السوق السوداء متقلبة.

تعويض انهيار الواردات

في جميع المجالات، تبحث المؤسسات والوكالات الحكومية عن طرق للرد على انهيار الواردات.

وعيّن “بوتين” في يوليو، وزير التجارة، دينيس مانتوروف في منصب حكومي رفيع المستوى بتفويض لاستعادة سلاسل التوريد. وتعهد “مانتوروف” بدعم “السيادة التكنولوجية” لروسيا وجعل استبدال الواردات “مسألة تتعلق بالأمن القومي”.

وعلى الرغم من أن “مانتوروف” أصرّ لاحقاً على أن هذا لا يعني “التخلي تماماً عن مبادئ اقتصاد السوق”، إلا أن الدافع إلى تعزيز الإنتاج المحلي سيؤدي حتما إلى تدخل أكثر تشدداً من جانب الدولة يحد من المنافسة.

إحدى الطرق التي تدخلت بها الحكومة الروسية لدعم المستوردين، وخاصة السلع التكنولوجية الاستهلاكية، كانت من خلال إضفاء الشرعية على ما تسميه “الواردات الموازية”.

وجعل التشريع الجديد أنه من القانوني تمرير قائمة طويلة من السلع ذات العلامات التجارية الغربية عبر الجمارك إلى روسيا دون موافقة العلامة التجارية نفسها. وفي السابق، كان يُنظر إلى هذا على أنه قرصنة، لكنه أصبح الآن تجارة شبه رسمية.

وقدّرت الحكومة أنه تم استيراد ما قيمته 20 مليار دولار من البضائع إلى روسيا بهذه الطريقة هذا العام، بما في ذلك هواتف آيفون 14 الجديدة، والذي تم إصداره في سبتمبر ولم يتم بيعه رسمياً في السوق الروسية.

لكن طريق السوق الرمادية أقل فاعلية بالنسبة للواردات التي يصعب الوصول إليها، وخاصة الرقائق الدقيقة والخوادم، وفقاً لمسؤول تنفيذي في شركة تكنولوجيا روسية.

كما أصبح المنتجون أكثر حذراً بشأن الحجم المتزايد لطلبات الرقائق الدقيقة في أرمينيا وكازاخستان، والتي أصبحت موطناً لمجتمعات كبيرة من المتخصصين الروس في مجال تكنولوجيا المعلومات منذ الحرب، ولكنها أيضاً مراكز للواردات الموازية المعفاة من الجمارك التي يتم طلبها من خلال “شركات الواجهة”.

وأوقفت بعض الشركات الأميركية الشحن إلى أرمينيا، إذ لاحظت ارتفاع حجم الطلب من 100 ضعف العام السابق.

ولمتابعة إجراءات الامتثال المعقدة المطلوبة لإثبات أن العملاء لا يتجنبون العقوبات، فإن بعض الشركات المصنعة تطلب من عملائها إثبات تواجدهم فعلياً خارج روسيا أثناء تقديم الطلب. إذ تطلب منهم إجراء محادثات بالفيديو عبر “زووم” ومشاركة الموقع للتأكد من أنهم في أرمينيا على سبيل المثال، ولديهم أشخاص يعملون في مكتب الشركة.

بدوره، حذر مسؤول تنفيذي كبير في شركة تكنولوجيا روسية كبرى من التأثير طويل المدى لنقص الرقائق الدقيقة.

أكبر خسائر روسيا

وقال المسؤول التنفيذي إنه إذا استمرت العقوبات من سنتين إلى أربع سنوات، فإن دفع ضعف السعر مقابل أكثر الرقائق تطوراً سيستحق كل هذا العناء،ولكن، إذا استمرت لفترة أطول، فإنه يعتقد أن روسيا ستضطر إلى التحول إلى رقائق صينية رديئة.

وأضاف أن توسيع قدرة إنتاج المعالجات الدقيقة لروسيا لكي تصل إلى مستوى الصين – والتي تكافح الآن في ظل قيود التصدير الأميركية – من المرجح أن تكلف 50 مليار دولار سنوياً لمدة 10 سنوات، ولن تكون مضمونة للعمل.

اصنعه بنفسك

في مجالات أخرى، في مصنع آلات الطاقة في تشيبوكساري أصبحوا مبدعين، حيث اعتادوا على استيراد الرقائق الدقيقة لتشغيل جراراتهم، ولكنهم قرروا محاولة صنعها.

فقد اشتروا الترانزستورات الأساسية وأجزاء الرقائق الأخرى من آسيا، وتعلموا كيفية لحامها بأنفسهم. وقال غريغوري بولوتين، مدير المصنع: “اتضح أن الأمر بسيط إلى حد ما، لكنه يؤدي الغرض”.

بالنسبة للمكونات الرئيسية الأخرى، وجدوا بدائل محلية. إذ تم استبدال المحركات اليابانية المستخدمة في الرافعات الشوكية الخاصة بهم ببدائل تم إنتاجها في مينسك، عاصمة روسيا البيضاء حليفة روسيا.

وقال بولوتين: “ربما لن نكون قادرين على إنتاج معدات من نفس المستوى التكنولوجي مثل المنتجات التي زودتنا بها الدول الغربية”. لكنه قال في الوقت الحالي، لا يهتم العملاء الروس.

وقد وصف الخبير الاقتصادي برانكو ميلانوفيتش هذه العملية بأنها “استبدال الواردات الانحداري تقنياً”، واستبدل البضائع المستوردة ببدائل محلية متدنية الطراز وقديمة.

في قطاع أخر على سبيل المثال، كانت فنلندا مصدراً رئيسياً للمواد الكيميائية المستخدمة في تبييض الورق إلى روسيا. ولكن بعد توقف شحناتها، كان على العديد من مصانع اللب الروسية أن تتعلم الاستغناء عنها أو بدأت في إنتاج كيماويات التبييض بأنفسها.

ولكن إحدى نتائج عدم استخدام المواد الكيميائية أو استخدام مواد كيميائية منخفضة الجودة هي أن بعض الورق المستخدم في المكاتب الروسية كان يتحول إلى لون بني مائل إلى الرمادي.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
مقالات ذات صلة