هاشتاغ – رأي مازن بلال
الخروج السوري المعقد من الأزمة الاقتصادية يصعب تصوره بالمؤتمرات الدولية، وإجراء مؤتمر بروكسل اليوم ربما سيسهل من إدارة الملف الاقتصادي؛ لكنه لن يُدخل سوريا في مرحلة التعافي، فالمسألة بأكملها تحتاج إلى “بيئة” وليس إلى جتماعات، وربما ما حدث في الساحل يحمل على التخوف من تراكب الواقع الاقتصادي مع الواقع الأمني.
عمليا فإن بروكسل استضافت سابقا مؤتمرات عدة استضافة دورية بخصوص سوريا، والفارق اليوم أن الأجندة لا تحمل معها هموم النظام السياسي السابق، فمشكلتها اليوم مرتبطة بمدى انخراط الدول الكبرى وخصوصا الولايات المتحدة بالأزمة السورية، فالعقوبات الأمريكية هي الأساس، وقدرة الاتحاد الأوروبي خصوصا بعد الحرب الأوكرانية باتت محدودة، بينما يبقى “الانتعاش الذاتي” للاقتصاد السوري مرهونا بعوامل داخلية مهما كان الدعم الدولي كبيرا للحكومة في دمشق.
المسألة الأساسية في سوريا اليوم هي تثبيت الاستراتيجية الاقتصادية بآليات وليس بعناوين، وخلق بيئة آمنة لتطوير الإنتاج، فالمانحون اليوم لا يملكون معطيات واضحة عن قدرة سوريا على التعافي، وما يمكن أن يحدث في بروكسل هو تسهيلات سياسية وليست اقتصادية، بينما تبقى الضمانات الأساسية مرتبطة بالسياسات السورية بالدرجة الأولى، وربما بقدرتها على توفير الأمان الاجتماعي المهتز بفعل الأحداث المتتالية على طول الجغرافيا السورية.
ما حدث في الساحل يقدم النموذج الذي سيتم على أساسه النظر إلى الحالة السورية، خصوصا أنه يأتي مع تطورات مختلفة تطال الجنوب السوري ومنطقة الجزيرة وغيرها، وهذا يرفع المخاطر بشأن القدرة على إدارة الملف الاقتصادي بمعزل عن الواقع العام، وبصرف النظر عن الانتقادات التي تم توجيهها لإدارة الاقتصاد، فإن معالجة ما يجري في الساحل سيشكل معيارا لنجاح السياسات السورية في إدارة البلاد.
بالتأكيد فإن المشاورات واللقاءات التي ستُجرى في بروكسل ستحمل معها اهتماما خاصا بإعادة رسم التصورات الأوروبية لسوريا، ولكن هناك مسألتان أساسيتان:
الأولى أن تاريخ مؤتمرات المانحين عموما لا تدفع كثيرا على التفاؤل، فهي تعهدات مشروطة بالدرجة الأولى، وخاضعة لتقلبات السياسة الدولية أيضا، فتخصيص الأموال يبقى عاملا واحدا في هذه المؤتمرات، بينما تشكل العلاقات الدولية الغطاء الأساسي لتنفيذ التعهدات، وهذا الأمر يبدو محفوفا بالمخاطر في ظل التناقضات الدولية الحالية، والمواقف المتباينة منذ تولي الرئيس دونالد ترامب مهامه الدستورية.
الثانية هي الخلافات الأوروبية التي ستبقى موجودة على الرغم من أنها لا ترتبط بالضرورة بالملف السوري، لكنها ستؤثر بالتأكيد على آلية التعامل مع مخرجات مؤتمر بروكسل، فنحن أمام حالة أوروبية هشة نتيجة الملفات الثقيلة التي يحملها الاتحاد ابتداء من مسألة حلف الناتو وانتهاء بالخلافات بشأن العلاقة مع روسيا وتمويل الحرب في أوكرانيا.
ما يتم التعويل عليه اليوم لإدارة الواقع السوري لا يرتبط بالتوجهات الأوروبية فقط، ولا حتى بقدرة العواصم الكبرى على مساعدة الحكومة الجديدة، فهناك “حالة سورية” إن صح التعبير متعثرة بحكم إلغاء مرحلة كاملة والدخول في زمن مختلف، وهذا الأمر يتطلب بناء بيئة جديدة لم تظهر حتى الآن.