مازن بلال
اكتسبت الاعتداءات “الإسرائيلية” على سورية سمة جديدة منذ حرب غزة، فرغم أن كافة العمليات العسكرية السابقة كانت تحدث وفق ادعاءات “التواجد الإيراني” في الساحة السورية، لكنها تحولت بشكل خطير نحو اعتبار سورية ساحة خلفية مباشرة لحربها المفتوحة بعد عملية “طوفان الأقصى”، وإذا كانت بعض التقارير تتحدث عن حرب اغتيالات، لكنها في العمق تتجاوز مسألة “تصفية” كوادر تدعي “إسرائيل” أنها مسؤولة عن الوضع العسكري في القطاع، فهي تكشف أن المساحة التي تتعامل معها “إسرائيل” أصبحت محكومة بمعادلة صراع جديدة.
عمليا فإن الأفق السياسي المسدود للحرب في غزة لا يرتبط فقط بهشاشة “التفاوض” الذي بدأ مع العملية العسكرية “الإسرائيلية” في غزة، إنما بطبيعة التفكير الذي ساد بعد عمليات طوفان الأقصى التي كشفت حالة من التصدع الاستراتيجي على مستوى الأمن الإقليمي، فكل حروب “إسرائيل” السابقة مع حماس لم تظهر حجم الخلل الذي أصاب الجبهات العسكرية في دول الطوق مع “إسرائيل”، ويمكن اعتبار مؤشر الاعتداءات ضد سورية حالة تحمل معها أمرين:
الأول أن الاضطرابات الأمنية التي طالت سورية لم تشتت الصراع فقط بل أيضا العدو؛ حيث غدت الحرب مع طرف لا يملك جغرافية محددة، ورغم أن الحروب الإسرائيلية بشكلها التقليدي منذ عام 1973 لم تعد محدودة في إطار الدول، إلا أنها اليوم باتت خارج مسائل سيادة الدول التي كانت وما تزال في حالة عداء مع “إسرائيل”.
اتخذت التشكيلات العسكرية “المقاومة” في لبنان منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي شكلا يتجاوز مفهوم “الفصائل” المسلحة، فهي غدت عابرة للجغرافية بشكل متدحرج وصولا إلى عام 2006، فمنذ تاريخ حرب تموز أصبحت المحاور الإقليمية تستند إلى مفهوم المقاومة العابر عمليا لسيادة الدول، ولكنه في نفس الوقت أصبح جزءا من تكريس هذه السيادة عبر مسارات غير تقليدية لقوة الدولة.
الثاني يتجلى في “حرب الظلال” التي رافقت ما يسمى بـ”الربيع العربي”، ففي هذا الشكل من الصراع يصعب رسم تحالفات على مستوى الأمن الإقليمي عموما، ففي أحداث سورية وليبيا واليمن وحتى البحرين إنهاء لأشكال الأمن التقليدي، وهذا الأمر طال “إسرائيل” التي لم تعد وفق السياق القديم دولة تعرف حدود أعدائها وشبكة تحالفاتها.
صورة الأمن الإقليمي غدت فوق كل اعتبارات الجيوستراتيجيا، فهي تقفز على نزاعات لتتجه نحو التطبيع، وتُركب بُنى سياسية بغض النظر عن طبيعة العلاقات الإقليمية السائدة، ويتحول العداء القائم إلى “حرب ظلال” تقودها عمليات الاستخبارات والتجسس بدل الجيوش، وضمن هذا التشكيل تتسع ساحة المعركة دون أن تشتعل الحروب، فالاعتداءات “الإسرائيلية” على سورية ليست اغتيالات فقط، إنما إعادة رسم للصراع ليتحول إلى ساحات يصعب التحكم بها سياسيا.
منذ طوفان الأقصى هناك تصور مختلف لكافة أشكال العلاقات الإقليمية، وفي المقابل تظهر رؤى متباينة أيضا لنوع الحروب ولطبيعة الأمن الإقليمي، فهي حرب إعادة التحكم بالأمن وهي أيضا صراع يجعل التحالفات مجرد أدوار سياسية متنقلة، ويجعل الحرب حالة مفتوحة تتجاوز كل أشكال صراعنا التقليدي مع إسرائيل.