هاشتاغ-عصام التكروري
طالما كنتُ مقتنعاً بأنَّ المرأةَ والمالَ و الحظَ الحسن هم امتحانُ الذَكر للترقي إلى مرتبةِ رجل، أو ليبقى فحلاً برائحةِ تيس، ضمنَ هذه الرؤيا لمْ يكنْ عُمر الشريف رجلاً فحسبْ، بل هو الرجلُ الذي عاش … حقاً عاش، رجلٌ استطاعَ أنْ يحوّلَ ثلاثية (المرأة ـ المال ـ الحظ الحسن) إلى سبيكةٍ واحدةٍ كلُّ عنصرٍ فيها يرتبطُ بالعنصر الآخر ويستدعيه، إذ لا يمكنُ للرجلِ أنْ يكونَ صاحبَ حظٍ حسن بينما يتعاملُ معَ المرأة بصيغةِ “وغدٍ” ومعَ المالِ بمرتبةِ “شحيح”.
بالنسبةِ لـ(الدكتور جيفاكو) لمْ يكنْ الحظُ الحسنُ (لعبة مع المجهول)، بل كانَ رحلةً من العملِ والشغفِ خاضها (المحارب الثالث عشر) عازماً على أنْ :” يعيشَ كلَّ لحظةٍ منَ الحياةِ بشكلٍ كاملٍ ومكثفٍ”، رحلةٌ مهّدَ لها حُسنِ اختيارِ والديه أن يبدأ تعليمه في “فكتوريا كوليدج” في الاسكندرية حيثُ وُلِدَ في العاشر من نيسان 1932، ومن ثمَّ احترامهما لقرارِ (المُسافر) بالذهاب إلى لندن لدراسةِ التمثيلِ في الأكاديمية الملكية للفن الدرامي بعدَ حصولهِ على إجازةٍ في الرياضيات والفيزياء من جامعة القاهرة، رهانُ والديهِ عليهِ ـ لاسيما والدته كلير سعادة المولودة في اللاذقيةـ كانَ (أكثر من معجزة) فمن يشاهد أعمال (السَّاحر) في السينما أو المسرح أو التلفزيون أو حتى الدوبلاج يدرك أنَّ (شيطان الصحراء) لم يكن يضع قناعاً ليلعبَ الشخصياتَ الموكَلَةَ إليه، بلْ كانَ يزيحُ الأقنعةَ عن الشخصياتِ الهاجعةِ داخلهِ وصولاً إلى الشخصية التي تتقاطعُ مع الدورِ المطلوبِ أداؤه.
الموهبةُ المصقولةُ بالعلمِ وضعتهُ في طريقِ قرينهِ يوسف شاهين، ليخرُجَ بعد فيلمهما الأول ( صراع في الوادي ـ 1954) عاشقاً لبطلته فاتن حمامة، وليتزوجها عام 1955، ولكن مع دخولهِ العالمية بعدَ فيلم ( لورانس العرب ـ 1962 ) واضطرارهِ للغيابِ لفتراتٍ طويلةٍ للعملِ في هوليود ـ التي يصفها بأنَّها كانتْ حينها أشبه ب”سدوم وعموره”ـ ومعَ وصولِ فاتن حمامة في مصر إلى لقبِ ” سيدة الشاشة العربية”، وتربصِ صحافةِ الفضائحِ بالزوجينِ كانَ لابد منْ أنْ يبادرَ أحدهما بطلبِ الانفصال، ليرسلَ صاحبُ (حبي الوحيد) رسالةً لفاتن حمامة يقولُ فيها ” حبذا لو انفصلنا لأنني لا أستطيع أنْ أقاومَ رغبتي في معاشرةِ نساءٍ غيرك”،هذه العبارة طالما ترافقت مع عبارةٍ أخرى ثابرَ صاحبُ (غلطة عمري) على ترديدها في كلِّ مقابلاته: “بعدَ فاتن حمامة لم أعشقْ امرأةً قطْ”، وإذا ما سُئِل صاحبُ (أيامنا الحلوة) عن مغامراتهِ كانَ يؤكدُ أنَّها (إشاعة حب) إذ لم تكنْ بالحجمِ الذي اخترعتهُ مخيلةُ الناس منذُ أنْ أُطلقَ عليه لقب ” الرجل الأكثر جاذبية في العالم” في الخمسينيات، فصاحبُ (القديس بطرس الرسول) يؤمنْ بأنَّ:” السريرَ يمنحُ الإنسانَ الشغفَ و التَّطهُرَ مثلما تمنحهُ المائدةُ المقدسةُ للكنيسة الخُبزَ والخمرَ”.
المالُ كانَ يتساقطُ كما(الثلج الأخضر) على نجمِ ( الرولز رايس الصفراء) وواحدٍ من أهمِ لاعبي البريدج في العالم الذي خاضَ إحدى منافسته في فندق الميريديان في دمشق في منتصف السبعينيات، لكن ـ ورغمَ غزارةِ المال ـ فلطالما صرَّحَ (جنكيز خان) أنَّه كانَ دائماً “مديوناً للبنك بما يعادلُ أجرهُ عن فيلمٍ لاحقٍ”، كيف لا وصاحب (الموعد) أهدى خمسة أطنان من الورد لسيدة إيطاليّة صدّته بعد وصالٍ خدّاع، الأمر الذي اعتبره (المواطن مصري) أبشعَ أوجهِ الحظِ العاثرِ، ولقناعته بأنَّ الحظَ العاثرَ لا يواجهُ إلا باختيارِ طريقٍ عاثرِ غادرَ المكانَ مُيمماً شطرَ صالة الروليت حيث قرّرَ المراهنة على الرقم الخاسر دائما (29) وإذا به يكسبُ الرهانَ لأربعِ مراتٍ متتاليةٍ، ويخرجُ بمبلغ مليون دولار ليشتري ورود مدينة روما كلّها، ويرسلها بشاحنة لمنزل ( الفتاةِ المرحةِ) مع بطاقةٍ تقول :” يبدو أنكِ المرأة التي أنفقتُ لأجلها أكبر مبلغ في حياتي”.
هذه الحادثةُ ـ بتقديري ـ تُعبرُ عن قناعةِ صاحب (إحنا التلامذة) بأنَّ:”جميع الرجالِ أطفال، والبالغون منهم لم يتجاوزوا الرابعة أو الخامسة من العمر، بينما تأتي جميع النساء إلى الحياة وقد بلغنَ سنَّ الرشدِ”.
مقاربةُ ( تشي غيفارا) لمسألةِ السخاءِ يختصرها بقوله: ” طالما كنتُ مقتنعاً بأنَّ ما أكسبهُ من مالٍ ليسَ رزقاً صرفاً لي، إنَّه رزقُ الناسِ الذين يحيطون بي، وقد أُرسل أليّ لأقومَ بتوزيعهِ عليهم …عندما أقارنُ ما اكسبهُ من مالٍ لقاء قيامي باستظهارِ دورٍ ما وتأديتهٍ، وبينَ ما يكسبهُ العباقرة .. أشعرُ أنني اكسبُ مالاً حراماً … لذا لابد لي من توزيعهِ على مَنْ هُم بحاجتهِ”
عمر الشريف دمشقي الأصل، والدُ جدّهِ كان ديمتري شلهوب صاحبُ خان الجمرك (1864)، وجدُّهُ الطبيب جورج شلهوب، وقصرُ العائلةِ مازالَ قائماً إلى اليوم في حارةِ بولاد بباب توما، الجذورُ الدمشقيةُ لصاحب ( أرض السلام) جعلته ـ بتقديري ـ أحدَ أبرعِ تجّارِ الأملِ، فمنذ عام 2003 وهو لا يكفُّ في مقابلاته عن ترديدِ العبارةِ التالية:
“نحنُ لا نبتسمُ لأننا سعداء، بل نبتسمُ لنصبحَ سعداء”،
نعم أيَّها ( الجدّ)، ( نسيتُ أنْ أقولَ لكَ) أنَّ مُعظمَ السوريين باتوا كذلك.