هاشتاغ سوري- وسام كنعان
فيما لو رجعنا قليلاً بالزمن نحو الماضي القريب، وثبّتنا كاميرة في إحدى القاعات المرصّعة بفندق مترف، وتعقّبنا بالصوت والصورة ليلة احتفال فني لمناسبة ما، وقد حضرها نجوم، وصنّاع مهن الرأي العام… ترى كيف ستكون النتيجة المبدئية للرصد العشوائي! ببساطة ستلاحق الكاميرة مساحة شاسعة من الحب والعناق وتبادل العواطف الجياّشة، لدرجة يقول فيها المشاهد أننا على أبواب المدينة الفاضلة! لكن الحقيقية المؤسفة، بأن ذلك في غالبيته، مجرّد نفاق ورياء اجتماعي، لن نكون كصحافيين فنيين سوى جزء حقيقي منه! الدلائل الدامغة على ما سبق تتجلى فيما وصلت إليه الدراما من ترّنح وانهيار مسيّج ببنية علاقات اجتماعية هشّة ومربكة! أضف إلى ذلك على سبيل المثال سوق المضاربة التي افتتحها المنتجين على بضاعتهم المحلية! يعرف كلّ العاملين كيف استشرت إحدى شركات الإنتاج في السوق العربية، بعدما طرحت المنجز السوري بأسعار زهيدة، أي بمنطق المضاربة على بقية الشركات، وبالتالي انخفض سعر المسلسل السوري بحدّة، هذا فيما لو حيدّنا ملف الفساد الحاصل عند تسويق الأعمال التلفزيونية، على الفضائيات العربية، التي يحكي عارفون بكواليسها عن تقاضي أصحاب القرار فيها رشاوى كبيرة من المنتجين، مقابل الموافقة على قرار الشراء! مناسبة الحديث هو إعادة استنتساخ الرياء الاجتماعي، والنفاق المجاني، بصورة مشوهة، لكنّها أشد فتكاً، كونها تُعمّم من بوابة السوشال ميديا! خمسة أيام انقضت من موسم الدراما التلفزيونية لهذا العام، صار واضحاً للقاصي والداني أننا
بتنا متخلفين عن الركب. نعيش في كوكب آخر. المصريون صاروا في الفضاء، ونحن نهرول عكس الاتجاه الصحيح. حتى في لبنان عرف رأس المال هناك كيف يجد لنفسه متسعاً بخلطة مشتركة من فتيات لبنانيات جميلات وممثلين سوريين محترفين، تقدّم مادة تجارية مسلية، لنسبة لابأس بها من الجمهور. أما في سوريا ورغم لهيب الأحداث المتسارع في الشارع دائماً، لكننا نعيد اجترار أفكارنا بمنتهى السطحية والابتذال، نسعى بمنتهى قلة الضمير المهني بصفق الأبواب في وجه قضايا الناس الصغرى وواقعهم المرّ، فيما يجسّد تلك الأفكار كوكبة نجوم من سيلكون! همّهم الأوّل الاستعراض واستجرار المعجبين على الفايسبوك! حتى الآن يشار إلى بضعة أعمال سورية متهاوية، يمكن القول أن بدائيات علم التمثيل تغيب عنها مطلقاً. رغم الأكاديمية والمنهاج العلمي الذي درسه كثير من هؤلاء الممثلين. لكنّ الهم هنا سرقة الكاميرا، وتحقيق نقطة في سجل معجب جديد! وليذهب خطّ الفعل المتصل للشخصية إلى الجحيم. فمن سيوقظ ستانسلافسكي ليتابع أمجاد الدراما السورية؟! ورغم كلّ ذلك هناك من يرّوج عبر الفايسبوك بأن المحبة تعني امتداح الآخر، مهما «مثّل» بذائقتنا البصرية، وحتى لو وصل مستوى منجزه حدوداً منفّرة -باروكات شعر ستقع بعد قليل لرخص سعرها، وصبغة سوداء من النوعية التجارية المباعة على البسطة، واستخفاف بمشاهد ابتلع خلال شهر من الحظر مئات ساعات الفيديو الاحترافية المصنوعة حول العالم- المهم حسب مبشّري الفايسبوك هو الحب؟! وما هو شكل الحب وفقاً لهؤلاء: فقط أن نتعلّم التصفيق لبعضنا، رغم أننا غارقون في بحر من وحل لا أمل لخروج قريب منه! أما آراء الجمهور الانطباعية فهي لا تعني صنّاع تلك الأعمال حسب آرائهم من هؤلاء حتى يتنطّحون للحكم! وفي حال كان الرأي نقدياً مبنياً على أسس منهجية ولم تتوافق مع الجوع الشديد للمديح، فالتهم جاهزة. ليس هناك وقت للنقاش أو محاولة الإفادة، بل على طريقة السلطة الجائرة: كلّ من يخالفها مأجور ومرتهن وعميل! وسط هذا التجييش الواضح للعالم الافتراضي السوري، والمنسوج على نول النفاق والرياء والحب الكاذب، ستغيب المعايير بالمطلق، وستصل الأنا المتورّمة بأي ناشئ مازال في مرحلة التلّمس المبدئي لطريقه المهني أن يصرخ على الملأ: وصلت لآخر الطريق وختمت الفن، تابعوا بصمت، فبضاعتنا مطروحة للتداول العام من أجل أن تعجبكم، ويدافع عنها منفذو الإنتاج العاملين تحت إدراتنا!