هاشتاغ- نورا قاسم
تراود عاملين في الوسط الإعلامي مخاوف كبيرة بشأن مستقبلهم المهني القادم، وما إذا كان سيتم إقصاؤهم واستبعادهم كما يجري في أروقة وزارة الإعلام الحالية.
وزادت هذه المخاوف بعد المؤتمر الصحفي الأخير الذي أجراه وزير الإعلام الحالي قبل نحو أسبوع في مبنى الوزارة، إذ تفاجأ الصحفيون المحليون من استبعادهم وعدم دعوة أي وسيلة إعلام محلية سورية من الداخل، والاكتفاء فقط بمجموعة من الشبان الصحفيين في إدلب.
كما وردت تسريبات من داخل الاجتماع تفيد بأن أحد الحاضرين سأل الوزير: “كيف تسمحون للإعلاميين الذين عملوا في زمن النظام السابق بالاستمرار؟”، ليجيبهم الوزير بأن “ذلك مسألة وقت فقط”.
خاضع للسياسة..
في هذا الصدد، يقول الأستاذ في كلية الإعلام بجامعة دمشق، الدكتور عربي المصري، لـ”هاشتاغ” إنه توجد سياسة تحريرية تحكم الإعلام، إذ إن للإعلام غايات يسعى إلى تحقيقها. وبالتالي، فإن طبيعة الإعلام في العالم كله منحازة، أي أنه لا يوجد إعلام محايد، لأن الصحفي بطبيعة الحال يخضع لسياسة وسيلته.
وعن الكلام الأولي فيما يخص حرية الإعلام، يرى “المصري” أن هذا مبالغ فيه، وهو نوع من أنواع التنويم المغناطيسي، لأن الإعلام سيخضع للسياسة التحريرية التي تديره.
وأضاف أن ميثاق الشرف بالإعلام الدولي لا يمنع انحياز الإعلام، شريطة أن لا يكون على حساب مصلحة الناس.
ويشرح “المصري” أن الصحفي يحق له اختيار الخبر والتغطية بما يتناسب معه، ولكن لا يحق له الكذب والتضليل وتغيير الوقائع، فهذا ما يرفضه ميثاق الشرف.
مخاوف..
يشير الأستاذ في كلية الإعلام عربي المصري، إلى أن الإعلام السوري كان في المرحلة ما قبل التحرير مريضا إخباريا وغائبا عن الرأي، فضلاً عن عدم وجود صحافة استقصائية بل صحفيين استقصائيين.
ولفت إلى أن هذه المرحلة تثير الخوف من جميع المجالات ومن طبيعة النظام السياسي. كما أن هناك أيضا تخوفًا من طبيعة الإعلام الحالي، الذي يتمنى الجميع أن يتماشى مع روح التطلعات الجديدة، لأن الشعب السوري يستحق الأفضل.
وحذر “المصري” من خطابات الكراهية التي نعيشها اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي، والترويج لمصطلحات تبث التفرقة والضغينة بين أفراد المجتمع.
الأفعال لا الأقوال..
أما عن المحاسبات التي ترد هنا وهناك للإعلاميين الذين استمروا في عملهم مع النظام السابق، ونعتهم بعدد من الصفات، قال “المصري” إن المحاسبة يجب أن تكون على الأفعال وليس الأقوال؛ فمن الصعب اتهام صحفي كان يعمل في مؤسسة إعلامية تابعة للنظام بالخيانة، فهو في النهاية يحقق سياسة مؤسسته الإعلامية، وهذا عمله.
وأردف أنه فيما يتعلق بقانون المراسلين الحربيين، إذا كان المراسل أداة مضللة تخدم سياسات غير إعلامية، وتوجد أياد خفية تدفعه، واستفاد من عمله بإقامة مشاريع اقتصادية ففي هذه الحالة يجب أن يُحاسب ويُقاضى.
تابع “المصري”: “في حين أن صحفيا خرج للتغطية مع الجيش السوري قبل انحلاله، هل يستطيع الخروج من دون الجيش؟ ناهيك عن خروجه مع الجيش من دون سترة حماية مكتوب عليها “press”؟
بالتالي، يختم المصري بالقول إنه “يجب أن تكون المحاسبة بالوثائق والقانون. وأما العقاب والطرد التعسفي، فغير جائز؛ خاصةً أن الحديث اليوم يدور عن سوريا الحرة الجديدة بلا مظالم، وإعادة الحقوق لأصحابها”.
شركاء في الجريمة؟
من جهته، يقول رئيس تحرير جريدة تشرين السابق، هني الحمدان: “تعبنا من تقطيب جباهنا من القهر والإقصاء في السنوات الماضية. لم نكن نملك ناصية حرية الكلمة كما يجب، إذ كانت المهنة مستباحة لخدمة أشخاص، وليس لخدمة الوطن”.
وتابع: “يوجد عدد من الصحفيين الذين لم يشاركوا في حملات التبجيل والمديح والتغني بالظلم، وكانوا مهمشين ومسحوقين”.
وبضيف أنه ” في المقابل، عندما جاء وقت التحرير ونسف رواسب طمس الحقائق، كانت المفاجأة في التصريحات الأخيرة لوزارة الإعلام، والتي كانت مخيبة للآمال ومنغصة للفرحة في قلوب عدد من الإعلاميين والصحفيين بسبب الإشارة إليهم بأصابع الاتهام”.
وأشار “الحمدان” إلى أن بعضهم يخشى من التهميش والإقصاء، بل وعدم السماح لهم بالاستمرار، وكأنهم شركاء في الجريمة، علما أنهم مسحوقون، ولا حول لهم ولا قوة، باستثناء حالات معدودة جداً.
بعيدا عن الصوت والتيار الواحد..
بدوره، مدير الفضائية السورية سابقا، الصحفي هيثم حسن، قال في حديثه لـ”هاشتاغ”: “نحن نريد سوريا كوطنيين سوريين بعيدا عن زمن الإقصاء والصوت والتيار الواحد”.
ورأى “حسن” أن إبعاد الإعلاميين السوريين من المشهد والاعتماد على آخرين من لون وشكل واحد سيؤدي إلى سوريا منقوصة، مشوهة، مبتورة وليست كما يتوقع لها أن تكون بغناها وتنوعها.
وتساءل: “يوجد عشرات الإعلاميين المهمين على مستوى المنطقة، أين هم؟”.
وعبّر “حسن” عن استغرابه لإجراء مؤتمر يخص الإعلام السوري وغياب الإعلاميين النخبويين عنه، مع ملاحظة وجود رواد التيكتوك وأصحاب صفحات الفيسبوك فقط. وهذا يظهر غياب المهنية، بحسب قوله.
وأشار “حسن” إلى أن ما يحدث حالياً هو إجحاف بحق الإعلام السوري وإغلاق قنواته، والسماح فقط لوسائل الإعلام الخارجية بالعمل داخل الأراضي السورية.
مضيفا “لا يمكن عد الإعلاميين والصحفيين مجرمين فقط لكونهم كانوا يؤدون عملهم بصفة موظفين، ففي النهاية المؤسسات الإعلامية كانت تتلقى تعليماتها من الإدارة العليا في البلد ومن المنطقي أن لا تخالف ذلك، واليوم مستعدون أيضاً لتلقي التعليمات من الإدارة الجديدة.
سيما أن الجميع مرحب بإسقاط النظام السابق، الذي يعد مصلحة وطنية”.
ويأمل “حسن” عدم إنتاج عقبة وطنية أُخرى مماثلة للعقبة السابقة في مرحلة ما قبل التغيير.
مخاوف وعدم وضوح
الصحفية المستقلة نسرين علاء الدين في حديثها لـ”هاشتاغ” لا توجد سياسة واضحة لدى القائمين على الاعلام في الحكومة الحالية.
وأشارت “علاء الدين” إلى مخاوف كبيرة لدى العاملين في الإعلام السوري من الإقصاء، ومن إغلاق عدد كبير من المؤسسات الإعلامية وبالتالي خسارة فرص العمل.
وأردفت: ”هناك فجوات معرفية ومهارات للعمل الإعلامي بين الصحفيين والعاملين في هذا المجال ممن لم يخرجوا من مناطق النظام سابقاً ولم يحصلوا على تدريبات في مجال العمل الصحفي“.
وختمت: “كانت هنالك محاولات سابقة عام 2015 قبل سقوط نظام الأسد، لتوسيع دائرة تنمية المهارات الإعلامية للشباب الراغبين بالعمل في هذا المجال، ولكن بسبب سلطة النظام السابق كان هناك نوع من الحذر والخوف. في حين أن الأمور الآن أصبحت متاحة لتنمية المهارات للإعلاميين أينما وُجدوا”.