هاشتاغ – نضال الخضري
لمن لا يعرف يوم “الدينونة” أو “القيامة” أو ساعة الحساب فربما عليه معاصرتها في لحظات الامتحان التي نعيشها هذه الأيام، فالمثل الشعبي يعطي التوصيف الأكثر قرباً مما يحدث، فـ”عند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان”، وعلى نفس السياق يصبح العلم ساعة حساب عسير على الأقل في تصور الطالب، وتبدو النتيجة كحكم نهائي باتجاه الفردوس أو الجحيم.
وعلى الرغم من أن سبر قدرات الطلاب مازالت حتى في أرقى أنظمة التعليم تخضع للامتحان، إلا أننا نخضع لثقافة أخرى تصبح فيها نهاية المسيرة التعليمية عملية تحول منفصلة عن مسار الطالب، فهو أمام مصير تقرره دقائق متسارعة ما بين دخوله قاعة الامتحان وخروجه منها.
منذ أكثر من عقدين والعملية التعليمية في سورية تخضع لتغييرات مستمرة ابتداءً من المناهج وانتهاءً بأنظمة الامتحانات، ويذكر السوريون أياماً خاصة يستيقظون فيها ويكتشفون توقف شبكة الانترنت كجزء من الترتيبات الامتحانية، ومؤخراً تم اعتماد “الأتمتة” لبعض المواد الامتحانية إنهاءً لحالة قطع الاتصال، ورغم كل هذه التفاصيل يبقى “الزمن” الامتحاني الخاص جزءاً من “قداسة” التراث في لحظات المواجهة التي تبدل مصير الطالب، وتقرر له اللون الذي يرسم شخصيته حتى ولو استطاع بناء نجاح غير مرتبط بسنوات الدراسة.
في كل دول العالم هناك “معضلة” تعليمية يمكن معرفتها من كم الدراسات المتوفرة على الانترنت، ومن تجارب الدول؛ وبالأخص الاسكندنافية، على أنها عملية “تعليم مفنوح” لا يخضع للنظام المعروف في العالم، وفي الولايات المتحدة أيضا مسائل تعليمية مختلفة وأغلبها مرتبط بإهمال قطاع التعليم عموماً، ولكن موضوع “ثقافة” الامتحان تبدو بعيدة عن التفكير الذي يرسم مسار الأجيال، فالاختبارات “منظومة” وليست مواجهة يمكن أن تخلق قلقاً سنوياً للأجيال المتعاقبة، وفهم المعلومات يبدو أهم من أي سبر لها عند أي طالب، فأمام ثورة المعلومات التي شهدناها منذ ربع قرن، أصبح الأمر الأهم هو “منهجية” النظر إلى العلم الذي أصبح متوفراً للجميع.
الحرب في سوريا هي بذاتها مؤشر على أن التعليم لم يكن قادراً على فتح آفاق أمام الطلاب، وما نجح في النصف الأول من القرن العشرين وأنتج النخب التي شهدتها سوريا في المراحل المبكرة للاستقلال، لن ينجح اليوم في تهيئة أجيال ما بعد الحرب، التي تحتاج لثقافة مختلفة تعيد نسج العلاقة مع العلم، وتنهي صورة الصراع مع المؤسسة التربوية التي تنتهي لحظة امتحان الثانوية العامة.
مع الأيام تظهر “مقاربة الامتحان” بعيدا عن كل الثرثرة المرافقة لها، ومشاكل “التسريب” الخاص بالأسئلة؛ وهو ليس جديداً، هو نتيجة هذه “المقاربة”، فالربط بين الامتحان والتصور التراثي له هو الذي يجعله قفزة نوعية أو تعثر نهائي، وقبل أن نبحث عن تغيير المناهج أو أنظمة الامتحان؛ هناك تصور يجب أن ننهيه يرتبط بالطريقة التي ننظر بها للطالب أو حتى تفكير الطلبة بالعملية التعليمية ككل، وربما ما تتحدث عنه الأمم المتحدة بالتعافي المبكر لما بعد الحرب يبدأ من تغيير النظريات الحدية للامتحانات أو لأي تصورات حياتية أخرى.