فتح قرار الإدارة السورية الجديدة، أمس الثلاثاء، بإلغاء عقد استثمار مرفأ طرطوس مع روسيا، الباب مشرعا على قرارات مشابهة قد تطال العشرات من الاستثمارات والعقود التي وقعها نظام الأسد السابق مع حليفيه الأساسيين، روسيا وإيران.
ويرجح مراقبون أن تتعرض الاستثمارات الإيرانية في سوريا، بشكل خاص، للإلغاء الشامل، نظرا للدور الذي لعبته إيران في سوريا طيلة 14 عاما، بوقوفها إلى جانب نظام الأسد.
ومنذ لحظة سقوط نظام الأسد وهروب رئيسه بشار الأسد إلى موسكو، ارتسمت خارطة جديدة في منطقة الشرق الأوسط ظهر خلالها أكبر الرابحين وأكبر الخاسرين من الزلزال السوري الكبير.
وكان هناك شبه إجماع، محلي وإقليمي ودولي على أن إيران كانت أكبر الخاسرين، ليس استراتيجيا وسياسيا وعسكريا فقط، بل واقتصاديا أيضا، ذلك أن إيران دفعت عشرات المليارات من الدولارات للنظام السابق على هيئة قروض ومنتجات وأسلحة، ولم تستطع تحصيل سوى جزء ضئيل منها، وعندما حاولت في السنوات الأخيرة من عمر النظام، استرداد ديونها عبر وضع يدها على استثمارات هنا أو هناك، سقط النظام لتسقط معه أي إمكانية للتعويض إلى الأبد.
ديون إيران
كشفت وثيقة سرية مسربة من مؤسسة الرئاسة الإيرانية، أن طهران أنفقت ما يزيد على 50 مليار دولار خلال عشر سنوات من الحرب في سوريا.
وتحتوي الوثيقة، التي نشرتها مجموعة “ثورة لإسقاط النظام” الإيرانية المعارضة بعد اختراقها لموقع الرئاسة الإيراني، على بيانات وجداول أعدها نائب قسم التنسيق والرقابة الاقتصادية والبنية التحتية التابع للرئيس الإيراني، حميد باداش، في شباط/فبراير 2023.
ووفقا للوثيقة، فإن مطالب إيران للحصول على ديونها من النظام السوري السابق تنقسم إلى فئتين، عسكرية ومدنية، مشيرة إلى أن إيران قدمت صادرات نفطية، وخطوط ائتمان، ومدفوعات نقدية لحكومة النظام السوري السابق.
وتلقت سوريا منذ عام 2012 لغاية 2023 مساعدات نفطية إيرانية بقيمة 11 مليار دولار، ومع الأخذ بالاعتبار المساعدات العسكرية، فإن المبلغ الإجمالي يقدر بنحو 50 مليار دولار أو أكثر، مع أن التدقيق المالي لم يكتمل بعد، على حد ما جاء في الوثيقة.
وتذكر أن “قاعدة خاتم الأنبياء”، الذراع الاقتصادي لـ “الحرس الثوري”، هي المعنية في تحصيل المطالبات الاقتصادية من النظام السوري.
وقالت الوثيقة إن الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة الإيرانية مع حكومة النظام السابق، في أيلول/سبتمبر 2022، تلزم النظام بسداد 18 مليار دولار لإيران، عبر مجموعة من 8 مشاريع استثمارية، ستنفق فيها إيران نحو 947 مليون دولار لتتمكن من تحصيل ديونها وفق جدول زمني مدته 50 عاما.
وتشير الوثيقة المسربة إلى أن إجمالي الاستثمارات الإيرانية في المشاريع والعقود المبرمة مع حكومة النظام السوري يبلغ 947 مليون دولار. وتوقعت أن تتمكن طهران من استرداد ما مجموعة 17.932 مليار دولار، خلال فترات زمنية تتراوح بين 25 و50 عاما.
وذكرت الوثيقة أن هذه المشاريع والعقود تم اختيارها من قائمة تضم 130 مشروعا قدمتها حكومة النظام السوري السابق، في حين تتم مراجعة مشاريع أخرى ودراستها ميدانيا.
أبرز المشاريع الثمانية المذكورة في الوثيقة هي مشاريع لاستثمارات في قطاعي النفط والفوسفات السوري، حيث يتعلق مشروع النفط بعقد في حقل حمص النفطي “رقم 21″، باحتياطي 100 مليون برميل، وعقد آخر في حقل “رقم 12” في البوكمال.
وذكرت الوثيقة أن تنفيذ عقد حقل حمص، الذي تبلغ مدته 30 عاما، بدأ في العام 2020، وتستثمر فيه إيران 300 مليون دولار لإنجاز المشروع في غضون 5 سنوات، لسداد 3.4 مليارات دولار من الديون، في حين تبلغ مدة عقد البوكمال 30 عاما، تستثمر فيه إيران 300 مليون دولار خلال 5 سنوات، لتحصيل ما مجموعه 3 مليارات دولار من الديون.
أما عن الفوسفات، فذكرت الوثيقة أن اتفاقا أبرمته الحكومة الإيرانية مع النظام السوري السابق في العام 2015، ينص على استثمار منجم للفوسفات بطاقة 1.05 مليار طن لمدة 50 عاما، تستثمر فيه إيران 125 مليون دولار خلال 3 سنوات، دون أن تذكر اسم المنجم أو موقعه.
ووفق الوثيقة فإن تنفيذ العقد بدأ في العام 2018، حيث تم استخراج 2.05 مليون طن من الفوسفات من هذا المنجم حتى تاريخ إعداد الوثيقة.
كذلك، تكشف الوثيقة عن مجموعة من المشاريع والاستثمارات الإيرانية في سوريا، من بينها إنشاء وتشغيل محطة للهاتف المحمول في سوريا، من خلال إنفاق 222 مليون دولار خلال 3 سنوات، تحصل من خلالها على دخل متوقع يصل إلى 1.5 مليار دولار.
ومشروع آخر حمل عنوان “دفع جزء من دخل ميناء اللاذقية على مدى 5 سنوات”، ذكرت الوثيقة أن إيران حصلت على جزء من حصتها بين عامي 2019 و2020، ومن المفترض أن تستمر عملية دفع هذه المستحقات لمدة 20 عاما.
وينص أحد العقود على استثمار 5 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية، دون تحديد مكانها، يتم من خلال هذا الاستثمار تسديد 25 مليون دولار من الديون خلال 25 عاما.
كما ينص عقد آخر على مشروع بعنوان “زاهد لتربية المواشي”، يتم بموجبه الاستثمار في مجال الثروة الحيوانية السورية، لتسديد ما مجموعه 7 ملايين دولار خلال 25 عاماً.
هل تستعيد إيران استثماراتها؟
بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، يرى خبراء أن الأموال الإيرانية قد تبخرت فعلا.
ويقول هؤلاء إن المؤشرات تبدو مخيبة لإيران حتى الآن، ولا سيما بعد قرار إلغاء عقد استثمار مرفأ طرطوس مع روسيا، التي لا تكن لها الإدارة الجديدة العداء نفسه الذي تكنه للإيرانيين.
ويشيرون إلى أن المعارضة المنتصرة تجنبت اقتحام السفارة الروسية على سبيل المثال، لكن بالمقابل تعرضت السفارة الإيرانية للاقتحام والنهب، وتم تمزيق صور قادة إيران وإنزال علمها، ما يعني أن مصير العقود الموقعة في عهد النظام السابق مع إيران سيكون التمزيق، وستذهب الاستثمارات الإيرانية إلى الإلغاء حتما.
الخبير الاقتصادي والقانوني السوري عمار يوسف، يرجح أن تعمل الإدارة الجديدة وفق نظرية “الإذعان”، وبالتالي تلغي كل الاتفاقيات السابقة وفق هذه النظرية.
بالمقابل، يقول يوسف: إنه “يحق لإيران وفق النظرية نفسها المطالبة بتعويضات لها عن استثماراتها المبرمة مع النظام السابق”. لكنه يرى أنه “في الوضع السوري الحالي لا يوجد غالبا تعويض ولا هم يحزنون”.
وبحسب حديثه مع “إرم نيوز”، يوضح الخبير أن “الحالة الإيرانية لها خصوصية عند الإدارة الجديدة، إذ تم تصنيف أعمالها ومشاريعها على أنها خدمة للنظام السابق وليس للدولة السورية”، وبالتالي “لا يمكن اعتبار المشاريع الإيرانية ضمن المشاريع السيادية للدولة السورية، إذ كانت بمثابة مكافأة لإيران من النظام السابق على الدعم الذي قدمته له”.
أما بالنسبة إلى الديون الإيرانية على سوريا، والتي تقارب 50 مليار دولار، فقد تم اعتبارها “ديونا شخصية” وبالتالي، فإن الدولة الحالية غير ملزمة بها، وفقا للخبير الاقتصادي والقانوني.