Site icon هاشتاغ

هل يدخل إعلان حظر التجول ضمن الصلاحيات الدستورية الحصرية لرئيس الجمهورية؟

هاشتاغ سوريا- د.عصام التكروري*

استعرضنا في الحلقة الأولى مفهوم حظر التجول le couvre-feu كإجراء تلجأ إليه الدول في إطار إعلان حالة الطوارئ l’état d’urgence ، وفقاُ للأسس التي نصّت عليها دساتيرها، وللقواعد التي حددتها قوانين الطوارئ النافذة في كل منها.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: هل يجيز الدستور السوري للسلطة التنفيذية فرض حظر التجول قبل إعلان حالة الطوارئ ( صحية أو أمنية)، ومن يملك هذه الصلاحية؟

الجواب : (نعم … ولكن )

(نعم) يسمح الدستور السوري للسلطة التنفيذية بفرض حظر التجول قبل إعلان حالة الطوارئ ، و(لكن) حصرا بموجب “لوائح الضرورة ” الصادرة عن رئيس الجمهورية وليس بموجب ” لوائح الضبط” الصادرة عن مجلس الوزراء واليكم التفصيل.

إن سلطة رئيس الجمهورية بفرض حظر التجول بموجب “لوائح الضرورة” تجد سندها بالمادة 114 من الدستور،والتي نصت على أنّه” إذا قام خطرٌ جسيم وحال يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة واستقلال أرض الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن مباشرة مهامها الدستورية، لرئيس الجمهورية أن يتخذ الإجراءات السريعة التي تقتضيها هذه الظروف لمواجهة الخطر”. في الواقع، عبارة ” الإجراءات السريعة التي تقتضيها الظروف لمواجهة الخطر” تشمل كافة الإجراءات العاجلة والتي يؤدي التأخر باتخاذها ( مرعاة للشروط الدستورية) إلى تعريض وجود الدولة لمخاطر لا يمكن تدارك نتائجها، عندها يكون من صلاحية رئيس الجمهورية إصدار “لوائح الضرورة” انسجاماً مع واجبه الدستوري الذي حددته المادة 96 من الدستور التي جاء فيها ” يسھر رئيس الجمھورية على احترام الدستور والسير المنتظم للسلطات العامة وحماية الوحدة الوطنية وبقاء الدولة”.

لذلك فإن “لوائح الضرورة” الصادرة عن رئيس الجمهورية بمقتضى المادتين 114 و 96 من الدستور يمكن أن تتضمن إجراءات من قبيل :

– وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والإقامة والتنقل والمرور في أماكن أو أوقات معينة، وتوقيف المشتبه فيه أو الخطرين على الأمن والنظام العام توقيفا احتياطيا، والإجازة في تحري الأشخاص والأماكن في أي وقت، وتكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال – تحديد مواعيد فتح الأماكن العامة وإغلاقها

– ومراقبة الصحف والنشرات والملفات والرسوم والمطبوعات والإذاعات وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإلغاء امتيازها وإغلاق أماكن طبعها.

– إخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة.

– الاستيلاء على أي منقول أو عقار وفرض الحراسة المؤقتة على الشركات والمؤسسات وتأجيل الديون والالتزامات المستحقة والتي تستحق على ما يجري الاستيلاء عليها.

وبما أن الإجراءات سالفة الذكر تُشكل تعليقا للعديد من الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، وخشية أن يؤدي العمل بها لفترة طويلة إلى إحداث نتائج عكسية فقد احتاط الدستور السوري لكل ذلك عندما منح لمجلس الشعب صلاحية الرقابة على السلطة التشريعية لرئيس الجمهورية في إصداره “لوائح الضرورة”، من هنا فقد أوجبت المادة 113 من الدستور عرض “لوائح الضرورة” تلك على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد أول جلسة له، و منحت للمجلس الحق في إلغاء هذه التشريعات أو تعديلها بقانون، وذلك بأكثرية ثلثي أعضائه المسجلين لحضور الجلسة، على أن لا تقل عن أكثرية أعضائه المطلقة، دون أن يكون لهذا التعديل أو الإلغاء أثر رجعي، أما إذا لم يُلغها المجلس أو يُعدلها عُدت مُقرة حكماً”(طبعا ثمة طريقة أخرى تكرّس حماية اكبر للحقوق و الحريات الدستورية لا يتسع المقام لشرحها هنا).

هذه الآلية الدستورية الحكيمة لرقابة مجلس الشعب على “لوائح الضرورة” الصادرة عن رئيس الجمهورية ـ بموجب صلاحياته الدستورية المنبثقة عن المادتين 114 و 96 ـ لا تستبعد ـ بتقديرنا ـ الرقابة التي يمكن أن يمارسها مجلس الدولة على تلك اللوائح وذلك في الفترة الفاصلة مابين تاريخ صدورها عن رئيس الجمهورية وتاريخ إقرارها من مجلس الشعب، اختصاص مجلس الدولة في إعمال هذه الرقابة ينعقد في مجال الدعاوى التي يعتقد أصحابها أن الإجراءات المتخذة بموجب لوائح الضرورة تكون قد تجاوزت الصلاحية الممنوحة لرئيس الجمهورية بمقتضى أحكام المادة 114 من الدستور.

مما تقدم يتضح لنا أن الدستور السوري منح رئيس الجمهورية الصلاحية الحصرية بإعلان حظر التجول بموجب لوائح الضرورة التي تخضع لرقابة مجلس الشعب، و هذه الصلاحية لا تقبل التفويض، من هنا نسأل:

ما هو الأساس الدستوري الذي استند إليه مجلس الوزراء بفرض حظر التجول بموجب ” لائحة ضبطية” لا تخضع لأدنى رقابة من السلطة التشريعية؟ وهل أعطى الدستور السوري لرئيس الوزراء صلاحيات اوسع من تلك التي منحها لرئيس الجمهورية في الظروف الاستثنائية؟

بالعودة إلى القرار الصادر عن رئيس مجلس الوزراء بفرض حظر التجول ( قرار رقم 20 تاريخ 24 آذار2020 ) نلحظ أن المادتين 22 و 38 من الدستور كانتا ـ بشكل أساسي ـ الأساس الدستوري لهذا القرار، باعتقادنا أن هاتين المادتين لا تصلحان أساسا لفرض حظر التجول للأسباب التالية:

أولا: نصت المادة 22 من الدستور على أن الدولة تكفل كل مواطن وأسرته في حالات الطوارئ والمرض والعجز واليُتم والشيخوخة (ف 1)، وتحمي صحة المواطنين وتوفر لهم وسائل الوقاية والمعالجة والتداوي (ف2). في الحقيقة، هذه المادة تستوجب ملاحظتين هامتين، الملاحظة الأولى هي أن الدولة لا تُختصر بمجلس الوزراء الذي “هو الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة” ( المادة 118 من الدستور)، والذي”يُمارس مع رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية نيابة عن الشعب ضمن الحدود المنصوص عليهـا في الدستـور ( المادة 83 من الدستور)، هذا يقودنا إلى الملاحظة الثانية وهي أن الحماية المقصودة هنا ـ والتي تقع على عاتق الدولة بسلطاتها الثلاث ـ تنحصر في إقرار قانون الضمان الاجتماعي لكل المواطنين باعتباره القانون الذي يوفر الحماية التي تحدثت عنها المادة 22،وألقت على عاتق الدولة بسلطاتها الثلاث مهمة تنفيذها. و للتذكير فإن قانون الضمان الاجتماعي كان أحد الأسس التي استند إليها المشرع الفرنسي بإعلان حالة الطوارئ الصحية في فرنسا في 24 آذار الماضي.

ثانياً : عبارة ” حالات الطوارئ ” الواردة في الفقرة الأولى من المادة 22 من الدستور لا تصلح أساسا لفرض حظر التجول بقرار من مجلس الوزراء لأنَّ تلك العبارة لا تعني ” حالة الطوارئ ” بمفهومها الدستوري، و إنما تعني الحالات التي لها صفة الاستعجال،و بالتالي لا تسمح لمجلس الوزراء أن يعلن حظر التجول كإجراء من الإجراءات التي لا تنفصل عن حالة الطوارئ بمفهومها الدستوري لكون ذلك يدخل في الصلاحيات الدستورية الحصرية لرئيس الجمهورية عملا بإحكام المادة 103 من الدستور، و بمجرد أن يتم إعلانها وفقا للأسس التي نصت عليها هذه المادة سيكون بمقدور رئيس مجلس الوزراء بصفته حاكما عرفيا أن يفرض حظر التجول أو إغلاق المحال كجزء من الإجراءات التي نصت عليها المادة الرابعة من قانون الطوارئ الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 51 لعام 1962، و إلا فإننا سنكون أمام مخالفة دستورية صريحة ، و أخشى أننا كذلك.

ثالثا: كما أن المادة 38 من الدستور لا تصلح أساسا لفرض حظر التجول بقرار صادر عن مجلس الوزراء لأن الفقرة الثالثة منها قيّدت حق المواطن “بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها بقرار يصدر من القضاء المختص أو من النيابة العامة أو تنفيذاً لقوانين الصحة والسلامة العامة”، وإذا كان الأمر واضحا بالنسبة لمنع التنقل بقرار يصدر من القضاء المختص أو من النيابة العامة فإنه يغدو من غيرالمفهوم ألا ينص قرار مجلس الوزراء على قانون مكافحة الأمراض السارية كواحد من الأسس التي يستند عليها لفرضه حظر التجول، و لكن حتى إذا افترضنا أن المقصود هنا هو قانون مكافحة الأمراض السارية والإبلاغ عنها ومكافحتها (الصادر المرسوم التشريعي رقم /7/ ‏لعام 2007) فإننا سنصطدم بحقيقة أن هذا القانون لا يحوي نصا واحدا يتيح فرض حظر التجول كإجراء للوقاية من الأوبئة لأنّ هذا القانون يتناول ـ بشكل عام ـ واجبات وزارة الصحة في التعامل مع الأوبئة، ومع المصابين بها أو المخالطين لهم، إضافة لواجبات العامل الصحي المفوض، العقوبات التي تطال من يخالف التعليمات الصادرة عن وزير الصحة وتطال الأشخاص الذين فرض عليهم هذا القانون التزامات معينة للوقاية من الأوبئة ومكافحتها،وأقصى تفويض منحه القانون المذكور لوزير الصحة هو تخويله بإصدار التعليمات اللازمة لفرض إجراءات الرقابة الوبائية التي تم اليوم على القادمين و المغادرين عبر الحدود قبل إغلاقها، إضافة إلى تنفيذ إجراءات الحجر الصحي على النحو الحاصل اليوم في مراكز الحجر (‏ المادة 19)، الاستنتاج الوحيد الذي يغدو لا مهرب من التوصل إليه هنا هو أن قرار مجلس الوزراء خلط ما بين “الحجر الصحي” كإجراء منصوص علية في يطال المصابين أو المشتبة بإصابتهم من جهة ، و بين ” حظر التجول” كإجراء منصوص علية في قانون الطوارئ و يطال المواطنين جميعا في حال إعلان حالة الطوارئ لأسباب صحية أو أمنية، في الحقيقة، فرضية أن يكون مجلس الوزراء قد خلط ما بين ” حظر التجول ” و “الحجر الصحي” تصبح حقيقة ماثلة إذا عرفنا أن مجلس الوزراء قد عاقب من يكسر حظر التجول بذات العقوبة التي فرضها قانون مكافحة الأمراض السارية على من يكسر الحجر الصحي أو لا يلتزم بتعليمات الوقاية و سنخصص الحلقة الثالثة من هذه السلسلة لمناقشة هذا الأمر.

رابعا : يعتقد بعض الزملاء الحقوقيين أن فرض حظر التجول من قبل مجلس الوزراء يأتي ضمن ممارسته للصلاحيات الدستورية بإصدار “لوائح الضبط” التي نصت عليها للمادة 128 ـ فقرة 9 من الدستور والتي نصت على أن “مجلس الوزراء يمارس اختصاصه في إصدار القرارات الإدارية وفقاً للقوانين”، بالاستناد إلى الفقرة 8 من المادة 128 التي جعلت من مهام مجلس الوزراء “متابعة تنفيذ القوانين والمحافظة على مصالح الدولة وأمنها وحماية حريات وحقوق المواطنين”، برأينا أن المادة 128 من الدستور لا تصلح أساسا لفرض حظر بموجب ” لوائح الضبط” لان هذه اللوائح يجب أن تستند إلى قانون، و قد بيّنا في الفقرة الثالثة أن قانون مكافحة الأمراض السارية لا تصلح أساسا يمكن أن تستند إليه لوائح الضبط لفرض حظر التجول للأسباب التي أوضحناها أعلاه , وبالتالي كل “لائحة ضبط” لا تستند إلى قانون تعتبر مخالفة لمبدأ المشروعية، وعرضة للإلغاء من مجلس الدولة، ووحدها ” لوائح الضرورة” الصادرة عن رئيس الجمهورية هي التي يمكن أن تصدر دون الاستناد إلى قانون لكن بالشروط التي شرحناها أعلاه.

ولكن هل تصلح المادة 13 من قانون مكافحة الأمراض السارية للمعاقبة على كسر حظر التجول؟

هذا السؤال سنتولى الإجابة عليه في الحلقة الثالثة من هذه السلسلة.

*د.عصام التكروري، رئيس قسم القانون العام في كلية الحقوق ـ جامعة دمشق

Exit mobile version