الأربعاء, ديسمبر 4, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

وميض الحرب

هاشتاغ – نضال الخضري

عندما لا تقتلنا فإنها تلامس التفاصيل التي تتشكل مثل هالة حولنا، فنسير في الحياة مثقلون بألوانها المزيفة، وبحالات الفوضى أو ربما الإحساس بالذنب لأننا نجونا، فالمعارك حولنا ساحات من الذنوب والخطايا، ووجوهنا مرهقة من الرعب الذي لامسنا في اللحظات الفارقة بين الموت والحياة، فنحن الناجون من المعارك التي مرت ولم تجرفنا فبقينا دون نصر أو هزيمة، وننتطر أن تدور الأيام لتمسح بعضا مما بقي على وجوهنا من قسوة، أو التجاعيد التي خطها أزيز الرصاص وأصوات الانفجارات حول الأعين الخائفة.

هي الحرب بغض النظر عن التفاصيل.. فإذا تناسينا السياسة فإن وقعها يصبح عالما له إيقاعاته الخاصة، وسردية عن بشرية حولت كل شيء إلى مأساة مشتركة لا فرق فيها بين الضحية والقاتل، أما السياسة فترسم آلية لإقناعنا أن الموت في المعارك لا بد منه كي تنتصر قيما على حساب ثقافات تتم إبادتها، فعالم ما بعد الثورة الصناعية يملك “فلسفة الحرب” التي تصبح كشبح يغلف الجميع، وبعد ثورة المعلوماتية أنتج سردية مشتركة يشاهدها الجميع في صور أشبه بالروايات لكنها تستهلك بشرا، وتجعل الحروب فيلما روائيا يحول البشرية بأكملها لمشاهد أخرق.

أقرأ المزيد: تفاصيل على هامش غزة

كم من الحروب شاهدنا.. وكم من التفاصيل شاركنا وكادت تجرفنا.. وكم من “غزة” عاشت بيننا وجعلتنا مذعورين من اقتراب الموت أكثر من المعتاد.. وميض الحرب رافقنا منذ اللحظة التي اكتشفنا أننا على أرض للحروب فيها صور خاصة بنا، وفيها أيضا تشكيلات في عمقنا ورثناها من معارك الأجداد، أو من الكوارث التي أنتجها “التحام” الحروب مع شخصية مجتمعنا، فنحن لم نرث من الماضي سوى بعض اللحظات الجميلة والكثير من الذعر المرتسم اليوم في وجوهنا.

ربما علينا إدراك التصورات المريضة التي تركتها الحروب في تفكيرنا، فهي ليست “عدم أمان” لأن “السلام” شأن طارئ على ما يبدو في تاريخ البشرية الذي رسمته المعارك وكتبته الصدامات الكبرى، فعندما نحاول نبش معرفتنا أو قراءة ما خلفه التاريخ لنا تواجهنا الصدامات، وجحافل الجند التي تصور كل حماقة البشرية، فـ”غزة” التي يوثق الإعلام لحظاتها كانت معنا في كل يوم، وفي أي حدث قديم مر على أرضنا، فـ”المحرقة” الحقيقية بدأت بنا قبل أن تصبح “علامة” سياسية في زمن الحرب العالمية الثانية.

أقرأ المزيد: ثمن الموت.. والصمت

من دروس حرب غزة اليوم أن الضحايا ليسوا صورا في محطات البث الفضائي، فهم لحظة الرعب قبل نهاية الحياة، ولحظة ذعر لمن بقي فوق الأرض ليؤرخ سيرة الموت المتنقل في المساحات المثقلة بالحروب، فما تكتمه السياسة هو خفقات قلب طفل يلامسه الموت، وآخر يسجل في عقله حالة اللا أمان التي تشكلنا جميعا وتجعل من الحرب رداء يمنعنا من فهم الحياة خارج “الحدث” الذي يحمل الذعر، فحرب غزة اختصار ينقله الإعلام لكل “الشظف” الذي يلفنا منذ نكبة فلسطين وصولا لـ”كارثة” غزة.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

مقالات ذات صلة