Site icon هاشتاغ

“أحكام” التواصل الاجتماعي

هاشتاغ-نضال الخضري

ماذا يهمنا من وصول هاني شاكر، أو من مساحات انتقاد الحرب الأوكرانية أو حتى امتداحها، فعلى “الفيسبوك” يسترخي كثيرون وهم يعتقدون أن امتلاك العالم يعادل اللوحة الرقمية التي يشاهدونها، وعلى الانستغرام هناك عالم حالم بالضحكات التي نادرا ما تصادفنا في الشوارع أو الأماكن العامة، والأهم هو الأبطال الذين يذكروننا بالتنبؤات التي أطلقوها حول مستقبل “أي شيء”، فالعلم على تلك الصفحات هو غرور مهدور في كثير من الأحيان.

العالم الافتراضي لم يشكل مجتمعه إلا في مساحتنا، فهو مفروض علينا بحكم تطور احتياجات البشر، وأعطى وسائل التواصل الاجتماعي دورها في العلاقات ومنح القدرة على التنوع في التعبير، فالتواصل شكل سمة ربما أنهت “العزلة” بمفهومها الكلاسيكي، بينما استمرت هذه العزلة في التفاوت بين المجتمعات التي اقتبست وسائل التواصل، دون أن تمتلك “التفكير الافتراضي” أو الرؤية في عالم يصعب تأطيره ضمن شكل واحد.

في العالم الرقمي لم تزاحم وسائل التواصل الاجتماعي أحد لأنها وسيلة “اختيارية” بطبيعتها، ولها هامشها من العلاقات التي تختلف من مجتمع لآخر، ومستخدموها كانوا مقتنعين أنهم لن يكونوا عباقرة مخفيين؛ وظهروا فجأة مع القدرة على اقتحام العالم الافتراضي دون عناء أو جهد، فهناك مجال خاص بهذا الأمر لا يصل إلى مساحات “تنميط” المجتمع، أو إغراقه بأشكال من العبث، سواء كانت أخبار موت أو قرار حكومي أو تحليلات سياسية واقتصادية تسبح في فوضى الكلام اليومي.

مفارقة وسائل التواصل في الدول التي وحّدتها الوسيلة الوحيدة للتعبير عن نفسها في أنها شكلت إغلاقا للعلاقات، وقدمت محاولات هشة لبناء رأي عام ظهرت في أحداث الربيع العربي الذي كان علامة فارقة في تشكيل الاتجاهات على منصات التواصل الاجتماعي، ويتذكر من تابع أحداث هذا الربيع مصطلح “ثوار الكيبورد” الذي يوحي بمهمة خارقة لهذه الوسائل، وبالفعل فقد شكلت اختراقا ثقافيا أصبح أقوى من بعض وسائل الإعلام التي بدت ضعيفة في خلق قنوات التواصل.

لكن “ثوار الكيبورد” استمروا رغم انتهاء “ظاهرة الثورة” المرافقة لهم، وأنتجوا جيلا مفعما بآمال التغيير عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
في المقابل فإن الأجيال الشابة التي كانت في فترة المراهقة عندما “اشتعل الربيع” في محيطها أصبحت مغرمة بالصورة، وربما لم تكن كل الأحداث التي شهدتها حالة انعطاف في تفكيرها، فغدت منصات التواصل بالنسبة لها جزءا من عاداتها اليوم، دون أن تعني لها حالة “انقلاب” كما ظهرت منذ 2010.

نحن اليوم أمام عالمين؛ الأول يسير بنا وفق السياسات العامة والإقليمية والدولية، والآخر تصب فيه التكهنات والتحليلات وعمليات التنميط بكافة أشكالها، وفيه من الغضب ما يكفي لنعرف أنه متذمر من عالم الواقع، وهو كعالم افتراضي لا يحمل التفاهة حتى إن وجدت لكنه يصور العبث من التعامل الغريب مع وسائل التواصل مهما كان نوعها، فهو يضج بالظواهر التي تنحسر سريعا، ويجذب الأبصار إلى أمكنة لا تعني كثيرين لكنها تستقطب الكثيرين لأنها في النهاية حالة تزول وربما لا تحتاج إلى تفكير.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version