Site icon هاشتاغ

أخبار عاجلة..

أخبار عاجلة..

نضال الخضري

يشكل الشريط الأحمر الذي يظهر فجأة أسفل شاشة التلفاز حالة ذهول، فهو يعبر سريعا دون أن يترك أثرا للخبر العاجل الذي كان قبل سنوات حالة من أشكال الشد العصبي، فها هو عاجل اليوم بات مرتبطا برغبة في النسيان، أو العبور نحو زمن مختلف لا يحمل شقاء اللحظات المتثاقلة على مساحتنا، فلا حرب غزة ولا غيرها من الأحداث تجعلنا نرى ضرورة لظهور شريط أحمر، لأن الحدث المحيط بنا بات بشكل تلقائي عبور بالذاكرة نحو شريط الماضي.

في “الأخبار العاجلة” ثقافة غريبة لا  ترتبط بتكاسل اللحظات عندنا، فهي فنتازيا إعلامية تحاول القول بأن هناك حدث مفاجئ، لكننا على ما يبدو نحيا بالمفاجأة وبالصدمة التي باتت اعتيادا يوميا، فإثارة الشريط الأحمر في أي لحظة بث لا تكفي لاستنفار مشاعرنا، وربما على العكس تدفعنا للتحول نحو بث آخر لا يحاول “ابتزازنا” بنوع من لفت الانتباه الصادم، ففنون لفت الانتباه لم تعد ممكنة لأننا أنهينا فصلا طويلا من استعجال الأحداث التي تراكمت فوقنا، وبات من الصعب شد انتباهنا إلى أي شأن جديد.

ولنفهم ما الذي حدث حتى بات “تبلد” المشاعر تجاه الأخبار ظاهرة عامة؛ ربما علينا قراءة “الإعلام” منذ أن كانت الصحف تُعلق على واجهات المحلات، وتحدث أحيانا تجمعات عشوائية لقراءة خبر ما، ففي هذا الزمن البعيد كان التفكير بالأخبار يراود الناس وكأنه حالة تنبؤ بواقع كان مجهولا بالكامل، وكان المخيال الاجتماعي يرسم الخبر بهالة قدسية لأنه “سردية” متكاملة لما هو مجهول ولمساحات الساسة وأبوابهم المغلقة، ولكن هذا الإغراء تبدد تدريجيا بعد أن تآلف الناس مع رواية أخرى جعلت من الخبر “مؤامرة” مجانية لجذب الأنظار.

لم تعد الجرائد أو الراديو أو حتى التلفزيون وسائل تواصل “نهائية” أو “مطلقة”، فصناعة الخبر العاجل باتت بيد الجميع مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وبعكس العالم فإن هذه الأدوات لم تنتشر كنوع من الإعلام الشخصي لأخبار الأفراد، بل باتت بالنسبة لنا حالة من المنافسة مع صناع الخبر الاحترافيين، أو ربما انتقام منهم لأنهم أغرقونا لعقود بأوهام “الأخبار” العاجلة، وجعلونا متسمرين وراء الشاشات وكأن الشريط الأحمر أسفل الشاشة سيغير مسار التاريخ.

عندما نحاول اليوم البحث عن آخر خبر فإننا بالتأكيد لا نحاول تتبع الحدث، بل نسعى لتجميع صور متفرقة في زمن “الإغراق الإعلامي”، فما يهم اليوم إذا فاجأنا خبر مقتل “أبو ماريا القحطاني”.. ومن هو هذا الرجل الذي يظهر في الأخبار.. وأي صورة يمكن أن تشدنا لقائد متطرف قتل في أدلب..

هي مجرد سردية يطلقها الإعلام فتعبر سريعا وربما لا تصل إلى حد الشريط الأحمر الذي بات مؤخرا عدادا لضحايا غزة، أو وعيدا مستمرا لاجتياح رفح، أو حتى تنبؤات وأوهام خلافات بين البيت الأبيض و “إسرائيل”.. فالشريط الأحمر والخبر العاجل مستمران لكنهما باتا على هامش ثقيل لا يُفاجئ أحد.

Exit mobile version