Site icon هاشتاغ

أزمة الأدوية و حليب الأطفال تعمّق جراح اللبنانيين

تعم لبنان فوضى صحية و دوائية وطبية، ليس لأن فيروس كورونا يضرب لبنان كما العالم فحسب، ولا لأن المستشفيات امتلأت أسرتها بمصابي كورونا وبات اللبناني يبحث عن سرير في المستشفى وعن قارورة أوكسيجين. بل لأن الدواء نفسه لم يعد متوفراً للمريض بأصناف كثيرة في الصيدليات

و تكمن الكارثة في أن الواقع الخطير الذي خلفه فيروس كورونا في عدد الإصابات والوفيات وإجراءات الحجر قد حجب إلى حد كبير مشكلة إنسانية صحية وحياتية كبيرة. وهي مشكلة فقدان أصناف عدة من الدواء من الصيدليات، وهي مشكلة ظهرت بقوة عام 2020 وتستمر وتتفاقم حتى الآن.

يقول نقيب سابق للصيادلة في لبنان لوسائل إعلامية “إن خوف المواطنين عام 2020 من رفع الدعم بعد تصريحات حاكم مصرف لبنان دفع عدداً من اللبنانيين إلى شراء نسبة من الدواء للتخزين في المنازل، وهي نسبة قد تصل إلى 15 في المئة”، ما يعني أن النسبة الأكبر من الأدوية تخزن، خاصةّ لدى المستودعات العامة التي تشتري من جميع الشركات وتسلّم الصيدليات قسماً قليلاً من الدواء، وتحتفط هذه المستودعات بالأدوية المخزنة، على أمل رفع الدعم لاحقاً، فهذا سيؤدي إلى تحقيقهم أرباح طائلة للمخزنين والمحتكرين، وكان لافتاً ضبط كميات من الدواء تهرب من لبنان إلى الدول المجاورة.

فالدواء المدعوم في لبنان على سعر 1515 يسمح للمهرب ببيعه في الخارج بالدولار ما يحقق ربحاً كبيراً له.

هذه الوقائع، قد تكون استفادت منها أيضاً، مجموعات تهرّب على مستوى أكبر إلى بلدان عدة من بينها أدوية تصنع في لبنان كانت مفقودة من السوق. فالدواء المدعوم الذي يبلغ ثمنه مثلاً 9 آلاف ليرة في لبنان يمكن أن يباع في الخارج بستة دولارات، ما يعني أنه يعطي مهربه في السوق السوداء في لبنان أكثر من 64 ألف ليرة لبنانية.

كما يعاني لبنان شحّ حليب الأطفال منذ شهرين، في أزمة تفاقمت مع تفاقم الأزمة المالية أكثر فأكثر، فحال حليب الأطفال كحال الأدوية، وهو يُباع حصراً في الصيدليات ويخضع لشروط الأدوية نفسها.

ووفق تصريح صحفي لإحدى الصيدليات الكبرى في لبنان، فإنّ “الصيدليات تشهد انقطاعاً للحليب رقم 3، أي الذي يتناوله الأطفال من عمر سنة إلى ثلاث سنوات، وهذا الحليب هو الأكثر طلباً، وهو الذي يدور اللغط حوله، ولذلك قطعته شركات استيراد الأدوية من الصيدليات، وتبرّر جميع الشركات التي تُسلّمنا الحليب، بأنّها تستورده على أنّه مدعوم وتوزّعه للصيدليات على هذا الأساس، في حين أن الدولة لا تعوّض للشركات خسائرها، لكن “حرام عمتطلع الفشة براس العالم”. مشيرةً إلى أن جميع علامات الحليب التجارية لعمر سنة إلى ثلاث سنوات مقطوعة من الصيدليات وليس بإمكان الناس حتى إيجاد البدائل أو التحوّل من حليب إلى آخر، إذ حتى الـ Nido مقطوع، والناس عبثاً يبحثون في جميع الصيدليات”.

و أضافت إلى أنّ “أزمة انقطاع الحليب بدأت منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، وتفاقمت أكثر الآن مع تخزين الناس للحليب وللأدوية في منازلهم، ما أدّى إلى انفجار الأزمة الآن، إذ هجمت الناس هجمة واحدة خلال الشهر الماضي لشراء الأدوية، ورغم تحديدنا كمية الأدوية للزبائن، بات عدد كبير منهم يزور الصيدلية مرات عدة في اليوم لشراء حصّته وتخزين الأدوية لا سيما الحليب، فكثيرون اشتروا منه بكميات كبيرة خوفاً من انقطاعه وغلاء سعره.

نقيب مستوردي الأدوية، كريم جبارة، بدوره، أوضح لمصدر صحفي أنّ ما يحدث مع حليب الأطفال هو تماماً كما حدث ويحدث مع الدواء، فنحن ننتقل من حالة هلع إلى أخرى، والزحمة التي تشهدها الصيدليات حالياً ليست طبيعية، بل هي زحمة خوفٍ وهلع، وعلى الدولة تطمين المواطنين بإعلانها تأمينها تمويل الدواء والمستلزمات الطبية للعام الجاري، فالصحة هي الأولوية”.

وأكمل أنّ “لبنان يشهد حالة هلع من قِبل الناس وهم غير مُلامين، فهم فقدوا ثقتهم بالنظام اللبناني برمّته ويشعرون بعدم الأمان الصحي، والسبب الأساسي لانقطاع حليب الأطفال، إلى جانب صعوبات الاستيراد الناتجة عن الأزمة المالية، هو أنّ الناس أفرغوا الصيدليات من حليب الأطفال ومن الأدوية”، لافتاً إلى أنّ “حليب الأطفال لمَن هم فوق عمر العام، غير مدعوم من الدولة على 1500، إنّما مدعوم على سعر المنصة أي 3900 ليرة”.

وعن وصول شحنات من الحليب في القريب العاجل، قال جبارة، “يصل لمستوردي حليب الأطفال شحنة كل شهر أو شهرين بشكلٍ منتظم، لكن هذه الشحنات تغطي الاستهلاك الطبيعي للمواطنين وليس للتخزين، وإلّا لن تكفي أبداً، فالطلب على الحليب هائل وجميع الناس خائفون إذ انقطع الحليب في الأسابيع الماضية بشكل غير طبيعي من الصيدليات، لكن شركات استيراد الحليب تنتظر وصول شحناتها، وقد تشهد تأخيراً نتيجة مرورها بآلية الدعم من مصرف لبنان”.

على خطٍّ موازٍ، يشرح نقيب الصيادلة غسان الأمين، أنّ “حليب الأطفال ليس مقطوعاً بشكلٍ نهائي لكنّ هناك تقنيناَ بتسليمه للصيدليات، فالحليب هو جزء من أزمة الدواء الكبيرة، وتحديد الصيدلي لكمية الدواء أو الحليب للمواطن، يجعل هذا الأخير يخاف ويجهد إلى ضمان كمية إضافية عبر شراء ما يطلبه من جميع الصيدليات”.

وعن دور مصرف لبنان في ما يتعلّق بعملية استيراد حليب الأطفال، يقول الأمين إنّ “مصرف لبنان يتأخّر لشهر أو لشهرين لقبول فاتورة المستورِد لأنّه لا يريد أن يتكلّف عملة صعبة أكثر من طاقته ولا أحد يعلم كم تبلغ طاقته، وكذلك لا يوافق على دعم استيراد الحليب إلّا بمعدل ما تمّ استيراده العام الماضي، في وقتِ تخطّى الطلب على الحليب هذا المعدل بعشرة أضعاف، وهذا التأخير يؤدي إلى نقص بالحليب في السوق وهذا النقص، بدوره، يؤدي إلى هلع وطلب إضافيين لدى الناس، وهي دوامة لا نخرج منها”، متابعاً: “لدى وصول أي شحنة من الحليب إلى الصيدليات، يتهافت الناس لشرائها بسرعة وتخزينها، لذلك اضطُرّ المستورِد أن يسلّم الصيدليات الحليب بالقطارة كيلا ينفد مخزونه، وللتخفيف أيضاً من هذه الظاهرة”.

و”المؤسف حالياً، هو أنّ جميع الأفراد الميسورين يخزّنون الحليب في منازلهم، أمّا ذوو الدخل المحدود الذين ينتظرون آخر الشهر ليحصلوا على رواتبهم، فيذوقون الويل لإيجاد عبوة حليب لأطفالهم”، بحسب الأمين.

Exit mobile version