Site icon هاشتاغ

إبداع غريب من نوعه

إبداع

هاشتاغ _ نضال الخضري

مهما حاولت الابتعاد عن الدراما فهي تصفعني لأنها خلاصة ثقافية، وهي أيضا طريقة تفكير فيمن ندعوهم بالنخب في رؤية المشهد السوري، فالدراما ليست مجرد ظاهرة رمضانية تجتاحنا في زمن محدد، إنما تصورات “إبداعية” أو من المفترض أنها إبداع يشغل الجميع، ويحرض الخيال لتفكيك العلاقات التي تربطنا، لكنها تظهر كصفعة من نوع خاص لثقافة ازدهرت خارج السياق الذي كنت أحلم به، أو يحلم به كل من رسم الزمن القادم بألوان الفرح.

في الدراما التي أراقبها تنعدم الهوامش، وتتكسر العتبات التي يجب أن أقفز فوقها وأنا أتابع تصاعد الخيال الذي يشكلني، أو يشكل جيل كامل ممن عاصر صراع الفن وسط تقلبات الثقافة التي نعيشها، فهناك “سردية” متعبة في التتابع الذي أحاول ترتيبه بين واقع يملؤني شغفا لتحولات الحياة، واختصار مشاهد حياتنا بجنون خاص، وصور مشوهة ربما نصادفها في الحياة، لكنها عابرة بينما تسعى الدراما لتكريسها في تلافيف الدماغ.

مأساة الثقافة تسكنني في صورة “الخيال الحبيس” في كل واحد منا، فأعجز أو نعجز عن تحرير عاطفة واحدة تحمل صورة فرح يمكن خلقه، وفي هذه المأساة تصبح الفجوة بين الأدوات التي تستخدمها الدراما وما يقدمه العصر من احتمالات مفتوحة نوعا من “الهلوسة”، فأستطيع مراقبة الروايات المتراكبة التي تترك ظلالا مرعبة، فنحن أطفال في رؤية من يرسم مساحات ثقافية مكسرة.. ثقافة مازالت ترى العلاقات من زوايا انتهى زمنها أو فقدت قدرتها على تقديم رؤيا.

يمكنني تلخيص الزمن الذي يلفنا بمفارقة التباهي بامتلاك الفراغ.. فراغ ثقافي ينسى أن صناعة الدراما باتت ضمن “علم البيانات”، وأنها تتبع كم المعلومات وتحليلها، وأن الرواية تجاوزت سردية البحث عن “إثارة مجانية” لصالح الإثارة التي تدفع للمتعة، أو تلك التي تفتح حالة من “شطحات الخيال”.

مازالت الثقافة صورة لمقاهي منشورة في زوايا المدينة، ولشكل نمطي من الأوصياء على علاقات وقيم البشر، وأما الدراما فهي مشاهدات مشوهة غير خاضعة لمعايير كل ما هو مرئي، وفي النهاية هناك رغبة جامحة في اقتحام المساحات الثقافية وكأنها مجال تجارب فقط، وتجارب لا ذاكرة لها، تولد وتختفي بلحظة.

هي ثقافة تسكنني.. تسكن الكل ولكنها تخرج من أضيق الأماكن لتضع صورا ناقصة، فعندما يتعثر الإنتاج المعرفي تظهر “ثقافة التعثر”، وعندما تصل المعرفة إلى الذكاء الصناعي ولتحليل الغلاف الجوي للمريخ، فليس غريبا أن نشهد دراما وسينما جامحة بالخيال، وما يسكنني هو البناء المعرفي وليست الدراما بذاتها، فهي تقدم استهلاك الزمن عبر “خمول” الخيال، فالثقافة طيف جديد لا يمكنه أن يتوقف عند “رواية” تتكرر وتعطي تموجات لوجوه لم تتبدل منذ أن اقتنعنا بأن “الثقافة” كلمات ووجوه كئيبة.. الثقافة صورة الحياة المتفاعلة مع رحابة العالم والعلم.. وهي أفق متحرك لا يمكن أن يقف عند تكرار رواية واحدة.

http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version