Site icon هاشتاغ

اقتصاديون نظريون لا “تنظيريون”

هاشتاغ _ أيهم أسد

يُنظر إلى الأشخاص الأكاديميين في شتى المجالات العلمية على أنهم أشخاص نظريون، والبعض ينظر إليهم على أنهم أشخاص “تنظيريين”، بمعنى أنهم أشخاص يتحدثون بالمعرفة النظرية فقط دون الاهتمام بالتجربة العملية، أو أنهم أشخاص بعيدون جداً عما يجري حولهم.

وتصبح هذه النظرة أكثر تعقيداً لدى بعض الأكاديميين المختصين بالعلوم الاجتماعية والاقتصادية على وجه التحديد، فيتهمون بأنهم أشخاص نظريون بشكل بحت، وأنهم يتعاملون مع المشكلات الاقتصادية أو الاجتماعية بطريقة نظرية تمليها عليهم الكتب العلمية التي قرأوها أو التي قاموا بتدريسها لطلابهم في الجامعات.

وتتعقد الأمور أكثر فأكثر في البلدان قليلة النمو وضعيفة التطور الاقتصادي والاجتماعي، حيث ينظر المجتمع إلى الأكاديمي الاقتصادي تحديداً على أنه منفصل عن الواقع ومحلق في فضاء خاص به لا يدنو منه أحد.

وتتعمق هذه النظرة إذا ما تسلم ذلك الأكاديمي النظري موقعاً مسؤولاً في الإدارة الحكومية ولم ينجح في عمله أبداً، عندها تثبت تلك النظرة المجتمعية لذلك الشخص الاقتصادي النظري حول أن ما تعلمه وما يتفوه به لا يصلح لتطبيقه في الواقع.

لكن الحقيقة غير ذلك تماماً.. لماذا؟
لأن التخصص الأكاديمي والمعرفة النظرية الاقتصادية البحتة لا تعنيان الانفصال عن الواقع، بل على العكس تماماً فالتخصص هو معرفة لتطور الواقع وإغنائه بما تكتسبه من أدوات ونظريات ومعارف مثلما يغني الواقع المعرفة النظرية ذاتها مجدداً.

وبالتالي فإن الاقتصادي الأكاديمي المتمكن من الأدوات النظرية التحليلية والمتابع لتطورات النظرية الاقتصادية والمعاصر للتغيرات المعرفية يمكن أن يكون ذا تأثير كبير في الشأن العام أو الشأن الإداري الحكومي.

وبالتالي فإنه يمكن إعادة صياغة دور الأكاديميين الاقتصاديين ليكون مؤثراً ومغيراً..

ومن هنا نجد أن هناك الكثير من الاقتصاديين النظريين تبنت الكثير من حكومات العالم المتقدم أفكارهم النظرية وحولتها إلى مناهج تطبيقية لتطوير الاقتصاد، أو أنها تبنت القوانين النظرية التي توصلوا إليها وحولتها إلى سياسات اقتصادية واقعية.

كما أننا نجد أن هناك الكثير من حكومات العالم المتقدم قد اعتمدت على الاقتصاديين النظريين واتخذتهم كمستشارين اقتصاديين وأشخاص مركزيين في صنع القرار الاقتصادي أو حتى السياسي في بعض الأحيان.

وبالتالي فإن المشكلة في جوهرها لا تكمن في البعد النظري للمعرفة بحد ذاته بقدر ما تكمن في قدرة الحكومات والمجتمع على تقبل ذلك البعد ودمجه في حقل التجربة العملية وإعطائه مساحة لإثبات وجهة نظره وما يحمله من أفكار ومعتقدات.

كما أن المشكلة لا تكمن في البعد النظري بقدر ما تكمن في منظومة العمل التي يعمل ضمنها الاقتصادي الأكاديمي، فإن كانت إيجابية فإن أفكاره سترى النور وستنجح، وإن كانت سلبية ومقاومة للتغيير فإن أفكاره ستفشل وسيثبت مرة أخرى للجميع بأن الأكاديميين “تنظيريين”.

Exit mobile version