Site icon هاشتاغ

الإدارة بـ “الأشباح”

قد يبدو التناقض بيّناً في عنوان المقال “الإدارة بالأشباح”، والسبب يكمن في لامنطقيته، فلا علاقة منظورة بين الإدارة والأشباح.

هاشتاغ-رأي-محمد محمود هرشو

والأهم أن علم الإدارة لا يعترف بهذا الأمر أبدأ ، وكذلك الأشباح؛ ليس لهم إدارة إن كان لهم وجود أصلاً، لكن الجملة باتت أمراً واقعاً وموجوداً في إداراتنا، ولا شك أن معرفة السبب يبطل العجب .

كلما اجتمعتُ بمسؤولٍ تنفيذي؛ سواء أكان اللقاء عقب تكليفه بمنصبه، أو بعد سنوات على التكليف، أصل إلى قناعةٍ تامة بمنطقية طرحه وجدارته في إدارة تلك المؤسسة أو الوزارة، وصوابية اختياره، ولا أعتقد أن الجميع قادر على خداعي وإقناعي بشخصيته أو طروحاته، والأهم من ذلك أنّي لا أعتقد أن الجميع قادر على خداع من اختارهم، فالصفات لتلك الأدوات متقاربة، وأتوقع أنها جيدة بالمجمل وفقاً للمعطيات الموجودة .

يراود تفكيري في كل مرة، بعد محاولتي تحليل الحديث أو بعد صحوتي من حديث المسؤولين وهالة السحر التي يلقونها على زوارهم سؤالٌ طالما طرحته بصمت، ولم أجد جواباً منطقياً له قبل اختيار عنوان هذا المقال وسرد تلك السطور: أين المشكلة؟!

تبيّن بالمختصر، وبعد تقاطع معطيات كثيرة أن المشكلة هي “بالأشباح”، وأتوقع أن الكثير من المطّلعين على تفاصيل عمل الإدارات باختلافها وتدرّجها يوافقني الرأي، ولكن بصمتٍ وتحفظ لأسباب عدة.

يسميها البعض “الدولة العميقة” لسببٍ بسيط؛ وهو عدم إمكانية استمرار دولة صامدة لفترةٍ طويلةٍ بأدوات وقرارات بعيدة عن الاستراتيجيات كما نلمس، فيما يعتبر آخرون أن “الأشباح” هي سيطرة أمنية على مراكز القرار، ويخالفهم تيار آخر فيعتبر “الأشباح” ليسوا إلا “لوبي” من رجال الأعمال، ممن لديهم نفوذٌ كبير، يمكنهم من تمرير ما يناسبهم أو إيقاف ما لا يناسبهم، بينما يطرح غيرهم أن “الأشباح” ما هي إلا تركة ثقيلة سابقة من الأدوات والقرارات تجذّرت ضمن البلاد، وأستطيع من جهتي أن أزعم عدم صوابية ومنطقية الجميع، حين النظر إلى مجمل الأشياء، لكن لا يخلو الأمر من بعض الصواب حين ننظر إلى هذه الطروحات من زاوية معينة .

حدّثني صديقٌ بعد سنة تقريباً من شغله لمنصبٍ امتعض من أدائه الغالبية العظمى من الناس، مع اندهاشهم من عدم الاكتراث للطروحات، وحل تلك المعضلة ولو جزئياً، وأنا أثق برشده الإداري ونزاهته، فهو بالمجمل يجب أن يكون رجل التغيير في هذا القطاع ، ومن المفترض أن تكون الحلول بسيطة بالنسبة لخبرته، ولطالما تناقشنا مراراً في أمور مؤسسته ليجيب بتوتر: “مابعرف شو عمصير، أشباح يا رجل !”. ويسهب محدّثي في شرح وتعريف هؤلاء الأشباح الذين هو أول المستغربين من قدرتهم على السيطرة وعرقلة التغيير.

يذكّرني صديقي هذا خلال حديثه بقصة طرحها مسؤول رفيع المستوى أمامي عن جملة نصحه بها أحد أصدقائه المطّلعين، مفادها وجود تيار مقاوم للتغيير في هذه البلاد، لا أحد يعرفهم، وبالتالي لا يستطيع محاربتهم أو تجاوزهم والالتفات إلى عمله وفقاً لاستراتيجات سيضعها هو ويبدأ في تطبيقها (بالمناسبة هذه من ضمن أهم أخطائنا، فليس من مهام مسؤول تنفيذي سواء كان وزيراً أو حتى رئيساً للوزراء أن يضع خططاً استراتيجية للبلاد، لأن مهمته تنفيذية، لكن غياب الاستراتيجات يفسح المجال لسد الثغرة بهذه الطريقة).

في الواقع؛ جاءت معرفتي بالأشباح عقب متابعتي لشبكة عاثت في الأرض فساداً، لكنها وقعت بين أيدي مسؤول تمرّس في العمل الإداري والسياسي والأكاديمي، ويمكنني أن أعتبره أدهى وحتى أقوى نفوذاً من تلك الشبكة.

وبالفعل؛ بدأت التحقيقات للمرة الرابعة (كونها طويت من قبل أكثر من مرة.. وبقوة )، وبمتابعة منه لكل الخيوط والتفاصيل، لكنه عبّر هو الآخر خلال ذلك عن دهشته واستهجانه للحال الذي وصلت إليه تلك المؤسسة بالقياس مع وضع البلد ككل، ليعرّف لي “الأشباح” بعد سؤالي الذي تابعته حول المتهم لأربع سنوات ومن يقف وراءه، بأنه “ترابط مصالح بين قوى حكومية نافذة وموظفين متنفذين ومسؤولين إداريين وأمنيين”.

إذاً؛ إن لعبة المصالح تستطيع أن تفعل ما تشاء ،وأينما تشاء؛ إنهم “الأشباح”.

بصراحة؛ أعجبتني لعبة الأشباح، وبقيت على قناعةٍ تامة بعدم إمكانية إحداث أي تغيير بعد ما وصلنا إليه، إلا بـ”الأشباح”، وبدأت أتساءل؛ لماذا لا نجد من يجمع “أشباح” الخير ويشكل لوبيات من المسؤولين والتجار وقوى متعددة ضمن البلاد لدفعها نحو الأفضل بربطهم بمصلحة عليا اسمها “سورية”، تماماً كما تجمّع هؤلاء “الأشباح” ودفعوا سورية نحو الدمار؟!

زجل
اترك أشباحاً استقووا بك.. وافعل خيراً تبقَ الدنيا لك

جدل
الأدوات ليست مهمة لإحداث تغيير، فالتغيير قناعة وقرار، لذلك يمكننا إحداث تغيير نحو الأفضل بنفس “الأشباح” أي الأدوات ..أليس الدواء هو جرعة من نفس الفيروس ؟!

غزل
المرأة ليست شبحاً لأنها سحر وطيف، فهي تستطيع إحداث التغيير وفعل التأثير بطيفها منفردةً، ونتيجة قوة هذا الطيف فهي بعيدة كل البعد عن التحالف مع أحد أو لوبيات “الأشباح”.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version