Site icon هاشتاغ

الاقتصاد السوري ونموذج “دورات الفوضى”

هاشتاغ-أيهم أسد

تعبّر الدورات الاقتصادية عن حالات متعاقبة من التطور الاقتصادي في الدولة (بمراحله المختلفة من توسع وانتعاش وازدهار) والتدهور (بمراحله المختلفة من انكماش وركود وكساد)، وتحدث الدورات الاقتصادية نتيجة أسباب مختلفة حسب بنية كل اقتصاد من الاقتصادات.
وتسعى الحكومات عبر سياساتها الاقتصادية المتعددة (المالية والنقدية والتجارية والتنموية) إلى تقليل أثر تلك الدورات على الأعمال والحكومة والمواطنين من أجل الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.
إلا أن هناك نمطاً خاصاً من الدورات الاقتصادية يمكن تسميته بـ”دورات الفوضى”، والتي تشكل نموذجاً خاصاً بذاته يصيب الاقتصاد نتيجة الإخفاق المستمر في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وضعف الكفاءة في إدارته.
وتعبر تلك الدورات عن مراحل متعاقبة ينتقل فيها الاقتصاد من وضع سيء إلى وضع سيء آخر عبر مروره في مرحلة فوضى وتخبط تهييء للانتقال إلى الوضع السيء التالي، وذلك بعد أن يكون الاقتصاد قد توقف زمناً معيناً في مرحلة من الكمون.
ووفق النموذج السابق فإن الاقتصاد يبقى يدور في حلقة من الفوضى واللا استقرار ويبقى التراجع الاقتصادي هو سمة الحالة الاقتصادية العامة، وتبقى كل حالة كمون اقتصادي تهييء لحالة جديدة من عدم الاستقرار نتيجة حياد السياسات الاقتصادية وضعف فعاليتها الحقيقية.
ويمكن القول إن الاقتصاد السوري وقع في فخ ذلك النموذج من الدورات منذ عام 2011 حتى الآن، ولم يعد يستطيع الخروج منها، وبات ينتقل بعد كل مرحلة كمون اقتصادي من وضع اقتصادي سيء إلى وضع اقتصادي أسوأ.
دخل الاقتصاد السوري منذ أسابيع قليلة في دورة جديدة من الفوضى الاقتصادية، فقد انتهت فترة السكون السابقة لها، وبدأت ملامح تلك الدورة تتبلور في عدة محاور هي:
· بدء ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء بشكل واضح
· بدء ارتفاع أسعار الكثير من المواد الغذائية الأساسية بشكل متسارع
· موجة تبريرات حكومية وغير حكومية لارتفاع الأسعار
· عدم قدرة الحكومة على ضبط موجات ارتفاع أسعار السلع وسعر الصرف غير الرسمي
· تأخر وصول حوامل الطاقة للمستهلكين بشكل كبير يتبعها تبريرات مختلفة
· التركيز على إعادة إمكانية شراء المواد المدعومة سابقاً بأسعار غير مدعومة.
والنتيجة أن نهاية تلك الدورة من الفوضى ستعني حكماً إعادة استقرار الاقتصاد على أوضاع توازنية جديدة أكثر سوءاً من ذي قبل، دون أن تسطيع السياسات الاقتصادية الحكومية من السيطرة على شيء، يترافق ذلك مع تقبل القسم الأكبر من المجتمع رغماً عنه لسياسة الأمر الواقع تلك وتحمله تكاليف الفوضى مجدداً.
يبدو من الواضح أن مسار تلك الدورات طويل جداً، فالواقع الاقتصادي السوري يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، ويبدو أننا لن ننجو أبداً من نتائج دورات الفوضى تلك إلا حين تتغير العقلية التي يدار بها الاقتصاد.
Exit mobile version