Site icon هاشتاغ

المسألة السورية والانحسار السياسي

الانحسار السياسي

هاشتاغ _ مازن بلال

ارتبطت الأزمة السورية منذ عام 2011 بنشاط دولي “محموم” أدى عمليا لافتراض “هامش” سياسي، سواء على مستوى العمل في الداخل أو الحركة في العواصم الدولية التي أظهرت ما يُسمى اليوم “الائتلاف السوري“، وبغض النظر عن التداعيات وما رافقها من تفاصيل وصلت إلى أقصى درجات العنف.

لكن افتراض “الهامش السياسي” كان الكارثة الحقيقية التي أدت لظهور “شخصيات سياسية” مفاوضة، وأجهزة حاولت أيضا “افتراض” التمثيل السياسي للمجتمع السوري، فالأزمة السورية خارج الميدان العسكري لم تستند إلى بيئة سياسية، ورغم كم المؤتمرات والمفاوضات وصولا إلى اللجنة الدستورية، فإن هشاشة البُنى في “الطرف المعارض” على وجه الخصوص أدت عمليا إلى مأزق عميق على مستوى الحلول الدولية.

عمليا فإن ما حدث مؤخرا داخل “الائتلاف السوري” من تحولات وصفتها بعض الأطراف بـ”الانقلاب”؛ توضح الجانب السياسي الهش للأزمة عموما، ولا يتعلق الأمر هنا بانحسار الاهتمام الدولي فقط بالموضوع السوري، إنما بطبيعة التأسيس للأزمة التي استندت أساسا على “الاضطراب” فقط، وافتراض أن النخب السياسية يمكن أن تظهر ضمن “التداعيات” التي تخلقها الأحداث، لكن الأمر الأخطر ظهر عبر مسألتين:

الأول: أن الأزمة السورية على المستوى السياسي كانت محاولة لخلق توازن إقليمي يعتمد على حالة التبدل التي يفرضها الاضطراب، وذلك بغض النظر عن كل الأدبيات التي ظهرت من أي طرف.

تبدل الجهاز المعارض وفق التوازن الإقليمي ووجهات النظر للدول المنخرطة بالصراع، فظهور شخصيات داخله أو “كتل” لتجمع نشطاء تعبر في النهاية عن محصلة التوازن الإقليمي، وأحداث الائتلاف اليوم هي امتداد ضحل لما حدث سابقا في صياغة شكل المعارضة وفق التبدلات الإقليمية والدولية.

الثاني: أن المواجهات العسكرية التي بدأت مبكرا خلال الأزمة السورية لم تكن مجرد ضغط على دمشق، أو حتى محاولة إسقاط الحكومة بالقوة، بل رسمت الأزمة برمتها خارج الإطار السياسي، وفرض أمرا واقعا سواء عبر “داعش” أو “النصرة” أو غيرها من التشكيلات الجهادية.

العودة للسياسة كانت آخر هموم الكثير من أطراف الصراع، وجعل المواجهة العسكرية محورا مستقلا هو هدف بذاته، أدى إلى خلق تواجد عسكري ليس على مستوى “الفصائل” بل أيضا في خلق جغرافية – سياسية مختلفة كليا عما قبل الأزمة.

ما يقدمه الائتلاف اليوم من حالة انقسام ليست جديدة لكنها محطة مع تحولات التوازن الإقليمي الجديد، وهو ما يدفع إلى إعادة قراءة الأزمة السورية من نقطة مختلفة تماما، ورؤية نقطة الانطلاق السياسي التي يمكن أن تُظهر جملة التناقضات داخل الأزمة من بدايتها، فالواقع السوري حاليا الذي يحمل الكثير من الضغوط والعقوبات والمخاطر الاقتصادية، هو وليد مأزق التهميش السياسي بالدرجة الأولى، وفي ظل المخاطر الدولية اليوم فإن العودة إلى تفكيك الأزمة على قواعد جديدة، وإعادة رسم مساحات سياسية سيقود إلى مسار مختلف نوعيا دون الحاجة لهياكل سياسية تراعي التوازن الإقليمي فقط.

http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version