Site icon هاشتاغ

الإدارة بال”الاحتواء”

يفسر علم النفس التحليلي “الاحتواء” بأنه الطريقة التي يستوعب فيها أحد الأطراف الآخر، ويشمله ويهتم به وبمشاعره بشكلٍ يغطي جوانب حياته، أي هو تماماً كالوعاء الكبير الذي يحتوي الوعاء الصغير .

هاشتاغ-رأي- محمد محمود هرشو

وإذا كان ليس “للاحتواء” عمر أو وقت أو زمن، إلا أن الشخص المُحتوي يوصف بقدرته على رعاية غيره بشكل يشبه احتواء الأب لأبنائه، وهذا ما يسمى في السياسة والاقتصاد “الدولة الأبوية“.

ثقافة “الاحتواء” موجودة في معظم المجتمعات على تنوعها بسبب ضرورتها الملحة في الحياة العامة، لكنها تختلف حسب تقدم المجتمعات وتُقاس جودتها “بالمحتوى”، فالأمر يشبه تماماً كمبادئ “ما كل ما يكتب يُقرأ، ولا كُل ما يُعرف يُقال”، أو “لكل مقام مقال”، فليس كل “مُحتوى” يُحتوى. فلنسرح بخيالنا قليلاً ولنقيس بعض من تم احتواؤهم في بلادنا مع طرح بعض البدائل، مع احترامنا بالتأكد لكل “المحتوين” المذكورين وبدائلهم المقترحين.

نحن نبرع في احتواء الفاسدين وإيجاد المبررات لسلوكهم، حتى نكاد نجزم أحياناً أن من يقف في وجههم أو يشير إليهم يُعتبر فاسدا ومندسا أو غير صامد لا سمح الله !

كما نتميز في احتواء شعارات أو أُسس دون معرفة أبعادها، وأحياناً نرتجلها دون الرجوع لآليات نظم دعم القرار، أو قبل ملامستها على الواقع، ومدى إمكانية تطبيقها، كأن نقول أن قوانيننا قديمة وفيها الكثير من الثغرات التي تفتح باب الفساد، ونسوّق أن جملة مشكلاتنا في تلك القوانين لا بآلية تطبيقها، أو بمن يتجرأ عليها ويفتح فيها الثغرات، وبذلك نحن لا نعالج الأسباب، لأن من يفتح الثغرات سيقوم بذلك سواء بالقوانين القديمة أو الجديدة .

إذاً؛ ما الضير في أن يكون لدينا قانون وضع قبل أربع أو خمس عقود ؟! أهذا تخلف أم مؤشر لتجسيد القانون في بلادنا والالتزام به كل تلك الحقبة من الزمن، طالما أنه لا يوجد بلد في العالم يمكنه تحديث قوانينه
بشكل أسرع من تحديثات برامج الكمبيوتر الذي تكتب عليه القوانين ؟!.

آآآآه لو أننا “احتوينا” عُلماءنا كما نحتوي أصحاب (طل الصبح ولك علوش)، و”احتوينا” صحفيينا كما نحتوي أصحاب أهواء السوشال ميديا، و”احتوينا” كُتّابنا كما نحتوي متملقينا وأصحاب النثر الارتجالي لتمجيدنا، و”احتوينا” مواطنينا كاحتوائنا لمفسّري دروس الوطنية، و”احتوينا” أهلنا كاحتوائنا للغرباء.

عرفت أباً لأبناء متعددي الأهواء، ومُتعَبي الأفكار، يمتاز بالحكمة رغم فقر حاله وقلة موارده، كدتُ أصل إلى قناعة بأن أبناءه لا يصلحون لشيء.
رغم ذلك هم يترددون تباعاً الى هذا الأب، يشكون بعضهم وضيق الحياة عليهم. هم مُتعبين جداً، وكلما تحدثت معه في الأمر كان يُصر على صحة تصرفاته تجاههم معللاً ذلك بأهمية “احتوائه” لهم كي لا يتشتتوا ويضيعوا أكثر من ذلك، ويقول لي حرفياً إن الأبوية تعني “الاحتواء” وهذا الأمر من بديهيات الحياة، وينطبق على الأسر الصغيرة كما ينطبق على كيان الدول ككل، فكلنا بحاجة إلى “احتواء”.

فاجأني هذا الأب حين ناقشته في الأمر مدافعاً عن أفكاري تجاه الأمر، ومعارضاً لما يقوم به “الاحتواء” حيث كاد الدمع ينهمر من عينيه، مشيراً إلى أن الأمر الذي وصل إليه هؤلاء الأبناء من الأنانية والتشتت ليس بسبب ضياعهم فقط؛ بل يتحمل هو جزء كبير من المسؤولية فيه، وهو حالياً يدفع ثمن ذلك، لأنه الكبير، وهو من رسم سياسات الأسرة، وهو من ربّاهم على ذلك، وما “الاحتواء” الذي يقوم به حالياً إلا ليحافظ على ما تبقى من أنقاض الأسرة !

ف”الاحتواء” قد تكون نتيجته أما “حاوية” أو مزهرية تتشكل من زهور جميلة تُزين المكان الذي توضع فيه، والأمر يرجع فقط إلى خياراتنا في من نريد أن “نحتوي” فيكون لدينا “المحتوى” .

زجل
احتوي حكيماً تجده لك.. واترك لئيماً تخفف أعباءك

جدل
الاحتواء كالزرع تماماً مثلما نزرع نحصد، ومثلما نحتوي نجد في مجتمعاتنا، رغم حاجاتنا للتوازن البيئي وحاجة المجتمع إلى كل أنواع المزروعات، لكن الكارثة تكمن عندما نحتوي الفجل والبصل للقضاء على القمح والقطن !

غزل
يبقى قلب الأنثى صندوق أسرار محتوياتها، ما ظهر منه وما بطن، لكن المؤكد أن هذا الصندوق لديه غرفة عمليات كاملة من المستشعرات والمقاييس والموازين، فلنتبعه، لأنه إذا صفى رأى، ولا يخطئ ابداً .

 

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version