Site icon هاشتاغ

الإدارة “بالحواشي” !

هاشتاغ-رأي- محمد محمود هرشو

يكتب علي بن أبي طالب لمالك الأشتر في رسالة العهد عندما ولاه على مصر عن “الحواشي” وهم يتواجدون في جميع الأنظمة والأزمنة والأماكن، وعلى كافة المستويات، لكن تختلف صلاحياتهم وآلية تعاملهم مع الناس باختلاف أسيادهم، وسنأتي على ذكر أمثلة حية من زماننا لكن بعد العودة إلى زمن الولاة والاعتبار من التاريخ، حيث قال علي في هذا الأمر “فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وإن سخط الخاصة يغتفر برضى العامة، وليس أحد في الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء، وأقل معونة له في البلاء، وأكره للإنصاف، وأسأل بالإلحاف، وأقل شكراً عند الإعطاء، وأبطأ عذراً عند المنع، وأضعف صبراً عند ملمات الدهر من أهل الخاصة.”

أما عن “الحواشي” في بلادي فهي مقسمة الى نوعين أو ثلاث تبعاً “للتيار” الذي تحسب عليه أو تتواصل معه، فمنهم المحلل لنفسه كل شيء بعيداً عن القوانين وسخط العامة، متمسكين بقاعدة “الكف لمين سطّره” وهم أصحاب السطوة الأكبر دائماً .

كنت أتفكر في أمرهم مجالساً أحد الأصدقاء المقرب منهم، أو المحسوب عليهم إن صح التعبير مفسّرين أنانية ولؤم هؤلاء فجاء الرد المناسب والمنطقي عندما وصلنا إلى نتيجة مفادها أنه لا يصبح أحدهم من أهل خاصة إلى بعد تاريخ من النضال في وجه زملائه ومنافسيه الطامحين للوصول، والحواشي الأخرى المحيطة بأصحاب القرار، وبعد تعرضه للرذيلة والاضطهاد، ويقدم القرابين لإثبات ولائه، ويتحمل الملمات والمذمات وحتى المسبات، ففي هذا الطريق للوصول يبقى كثيرون على الهامش ولا يستطيعون الوصول.

أما القليل ممن يصل ويصبح “حاشية” لمسؤؤل أو أهل خاصته بعد كل تلك المشقة، فهنا من الطبيعي أن يعامِلوا الطامحين أو الساعين الجدد كما عُومِلوا في مسيرة الوصول .. وهكذا .

أما عن التيار الآخر فهم “الجنتل”، وهؤلاء لا يستخدمون سطوتهم إلا بالقانون، وليس لهم امتيازات، ولا أبالغ إن قلت إن استخدامهم أكثر من ميزاتهم، لكن ضغط العمل يجعلهم في توتر دائم، والدائرة التي يعملون بها تحيطها دوائر أصغر فأصغر، فهنا لـ”الحواشي” مناصب، لذلك يبقى الجميع طامحين للوصول إلى الدوائر الأصغر أو الأقرب، حتى المقربون مضطرون للنضال من أجل البقاء ضمن هذه الدائرة لأن الخروج منها هو نهاية لهم، فأهل “الخاصة” لا يصلحون للعودة إلى العامة .

كذلك كنت أسأل أحد الأصدقاء وهو ناصح ومحب عن حال أحد زملائه الصاعد حديثاً إلى دائرة “الحاشية”، فاستخلص الصديق من السؤال أنني طامح “للوصول” أو متكل على هذا الشخص لتحقيق ذلك والعياذ بالله من هذا، فأعطاني زبدة الحديث عن حياتهم الوظيفية وخلاصته، وهي جملة أتفكر بها دائماً حيث قال: الجميع لدينا وعلى أختلاف الدوائر من الحواشي بإمكانهم “طق البراغي” أو إلحاق الضرر بك أو إيصال الملمات، لكن لا أحد بيننا لديه الجرأة على طرح أفكار بناءة أو أشخاص جيدين، فنحن نناضل للبقاء، ولا حتى بإمكاننا نقاش مظلمة خشية أن تفسّر استفادة، بالطبع ما وصلنا إليه هو ناتج لأولئك “الحواشي” وعلى اختلاف تياراتهم.

حضرت نقاشاً عائلياً لأحد الأصدقاء الذي قال لعائلته ممازجاً إنه قريباً سيكون مسؤولاً هاماً في البلاد، فانبرى الجميع يجادلونه، كونهم يعرفون سويته وعقليته الخاصة في إدارة شؤون العامة، ممتعضين كيف سيؤثر ذلك سلباً لأنه لا يلبي طلباتهم، وأجمعوا أنهم لن يحصلوا من هذه المسؤولية إلا “وجع الراس”.
راودني التفكير بردة فعل عائلة هذا الشخص وهم محقّين، فهو إن تصرف على هذا النحو، ورغم الدلالة على سويته، لكنه غير منطقي وأقرب إلى “النذالة” لأنه لا خير في من لا خير لأهله . فأجابهم بما لا يخطر ببال أحد وعمّ الصمت بين الجميع متفكرين بما قال: “أستحلفكم بالله أنه لو حصل ذلك عليكم الطواف بين أصحاب الحاجات والمظالم، وجلبهم إليّ لتلبيتهم وإنصافهم، فلا خير بي إن لم أكن خيّراً لأهل بلدي” .
هي جملة استخلصت منها صفات الخاصة “الحاشية” الوفية، والتي لم أرها يوماً، وكلي قناعة أن قائلها وطالما يفكر بهذه الطريقة، فلن يكون مسؤولاً ولا من أهل الخاصة .

زجل
ليس بالحواشي وحدها يقوم ويكبر.. كم من حاشية تغش وتخدع وهو الأصغر

جدل
أحاول ضمن عملي تكريس مبدأ مفاده أن كل من يعمل ضمن فريقي هو يلوذ بي وكرامته من كرامتي، وهو يمثلني وجميعنا نمثل هذا العمل، لذلك أحرص ألا يمسه أحد بأذى أو مكروه، وبذات الوقت ألا يسيء هذا الشخص لأحد ويكون أهلاً لهذه الثقة كي لا أُعتبر مسيئاً عبره، فهنا دوري الحفاظ على توازن الحاشية .

غزل
وحدها الأنثى الجميلة لا تحتاج إلى “حواشي” فالتواصل معها لا يكون إلا عبرها، يا لها من نعمة إن كانت راضية .

 

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام :https://t.me/hashtagsy

Exit mobile version