Site icon هاشتاغ

الإدارة بعقلية “القطيع”!

هاشتاغ- رأي- محمد محمود هرشو

اعتمدت العديد من دول العالم بعد جائحة كورونا “مناعة القطيع” عبرالسماح للمرض بالانتشار في أوساط السكان وتعريضهم للعامل المسبب للمرض، وبتنا نسمع المصطلح المذكور يومياً، من دون أن نركّز على حقيقة أنه ناتج عن عجز السلطات تجاه جائحة معينة أو استسلامها لأمر ما .

في بلادي، تربينا منذ عقود على “سياسات القطيع”، فنحن لا نخطط ولا نفكر ولا ندرس معطيات ولا نقرر إلا من رحم ربي، والأمر ينطبق على السوريين حكومةً وشعباً .

بالمقابل؛ وبالرغم من أننا لا نقرر في شيء، لكننا نجيد أن نكون “قطيعاً” فنبني قلاعاً من سياسات القطيع لنعيش بداخلها، وبعدها إما تكبر بعد إخضاعها للتجريب قبل الدراسة، أو تنهمر فوق رؤوسنا فنجرّب بناء غيرها .

في الاقتصاد نتعامل بمنطق القطيع فنشيع أنباءً عن انخفاض سعر الصرف وانخفاض الأسعار. ونعيش وهم أن لدينا سياسة اقتصادية (وهي قائمة على القطيع) ونعمل جاهدين “بالدعاء” ليتحقق ذلك. فتبدأ القطعان من مواطنين ورجال مال وسياسة وحتى الأوقاف لنحصل على لجنة عليا “لقطيع” انخفاض الأسعار .

وفي القوانين نكتشف فجأة أن لدينا مئات القوانين غير الدستورية فنشكل “قطعاناً ” من لجان تعديل القوانين، ونعيش في قلاع التشريع والقضاء العادل والسريع ونمضي بذلك إلى أن يندثر بعد سنوات دون أن يحقق مبتغاه، لنبحث عن نظريات وعبارات رنانة “قطيعية ” جديدة نطلقها ويتبع بنا القطيع المناسب لها راكباً موجة الإصلاح القضائي أو التشريعي الذي يوصله إلى أهوائه أو غاياته أو إلى المسؤولين عن تلك السياسات القطيعية الجديدة .

أما في الإعلام فلا داعي لذكر الأمثلة؛ فنحن نشاهدها يومياً ونعيشها ونتعايش معها. إذ نجد بعض الوسائل أو الصفحات تصفق لمسؤول ما وتمجّد به. ثم تتبعها باقي الوسائل أو المؤثرين بالرأي العام أو حتى أفراد المجتمع؛ يصفقون لمسؤول وسياساته ويمتدحوا محاسنه والعكس صحيح .

وفي هذا الإطار أزعم بأنني أعرف الإجابة حول سبب تصفيق ” القطيع ” للمسؤول المُعيّن وشتم المسؤول المخلوع، الأمر بسيط؛ فمن يختار المسؤول أو يعفيه هم نفس الأشخاص الذين يتحكمون بسياسة “القطيع”، ومن البديهي أن تعيينهم لمسؤول في موقع مسؤولية هو نتاج رضى منهم، أما عزله فهو نتاج سخط عليه، ومن مهام “القطيع” أن يعكس ما يضمر هؤلاء الأشخاص والتصفيق لهم .
حتى في انتخابات رئاسة الجمهورية نشاهد ما يدعو للعجب؛ عشرات من معتنقي سياسة “القطيع” مصطفون ليقودونا والبلاد. متأملين ربما أن نصبح قطعاناً لديهم، والواقع يثبت بالدليل الدامغ أن هجومهم إلى هذا الاستحقاق نابع من عقلية “القطيع” وليسوا “كومبارس” كما يعتقد البعض.

في هذا السياق لا بد من بضعة تساؤلات مشروعة: ماذا سيقدم لبلدٍ منكوب شخصٌ يطمح لرئاسة الجمهورية أو لرئاسة لجنة بناية سكنية. والاثنان بالنسبة له سيان؟! ( وهذه معلومات لا افتراض)؟!
ماذا سيقدم شخصٌ أصبح عمره في حيطان الثمانينيات، وآخر لا يعرف أن ترشيحه مخالف للدستور؟!
ماذا سيقدم من تقتصر نشاطاته وأحلامه على نشر صورةً على شاطئ البحر في صفحته الشخصية على “فيسبوك”؟
والأهم، ماذا سيقدم من لم يخطط للحصول حتى على عشرة أصوات من مجلس الشعب ليسجّل موقفاً بأنه يستطيع وضع قدمه في الطريق الصحيح لخوض انتخابات رئاسية ؟!

في المحصلة؛ نحن “قطعان” ليس بالفطرة وإنّما بقرار، شعباً وحكومةً، ليس خبثاً أو سياسةً. لكن بكل بساطة لأن ذلك أسهل، فمن عاش طامحاً ليكون تابعاً لا يمكنه يوماً أن يصبح رأساً .

زجل
خالِف قطيعاً تبقَ لوحدك..
لو كنتَ مصيباً سيتبعك أهلك

جدل
ليس بالضرورة أن تكون تبعية القطيع “موالاة” ولا مخالفتهم “معارضة”..  فلنعلم أن صاحب الاستراتيجيات البناءة والنظرة الثاقبة يمكنه الدفاع عن أفكاره وقناعاته ونقاشها لساعات وأيام وإقناع الناس بها .

غزل
لا تنطبق سياسات القطيع على المرأة. فهي تعشق التمرد ولديها القدرة والدهاء المناسبين لبناء مملكة وفقاً لمخططات رسمتها في مخيلتها وانتقاء من سيعيش في تلك المملكة. سواء كانوا أفراداً أو قطعاناً تقف عند باب المملكة.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version