Site icon هاشتاغ

عن “نبذ العنف” ودور الدولة

هاشتاغ _ لجين سليمان

نُظّم عشاء لاستقبال مجموعة جديدة من طلبة الدكتوراه الذين من المقرر أن يبدؤوا رحلتها البحثية العام الدراسي المقبل.

وصلوا إلى المكان المحدّد، وإذ بجوّ من الإحباط يسود الحضور، حاولت الاستفسار والسؤال عن سبب عدم الارتياح هذا، فأخبروني بأنّ فتاة قد تعرّضت للضرب من قبل شاب في مدينة “تانشانغ”وأعطاني أحدهم هاتفه المحمول لأرى ما التقطته عدسات الكاميرا.

لم يكن وقع الحادثة صادما بالنسبة لي كما كان بالنسبة للآخرين، حتى أني حاولت إعادة تشغيل الفيديو مرة أخرى لأدقّق في التفاصيل ولأبحث عن سبب الغضب الذي اجتاحهم، ليسارع أحدهم ويأخذ الهاتف المحمول من يدي على اعتبار أنّ الفيديو مؤذ للمشاعر.

جرّبت إقناعهم أنّ مشاعري أكثر تماسكا مما يظنون ولكن من دون أي جدوى. وللحظة شعرت وكأنه عليّ مواساتهم والتخفيف من نكبتهم فقلت: “إنه عمل فرديّ، ومن الممكن أن يحدث في أي مكان في العالم”..أجابني أحدهم: “لا يمكن التساهل أمام حالات عنف كهذه، ولذلك يجب أن نشير إلى مكان وجود الخطأ مهما صغر أو كبر حجمه.”

وأضاف: “يجب أن نرفع الصوت لنقول لا للعنف، كي يعرف الجميع الخطأ من الصواب”..هززت برأسي موافقة ومتوجّسة من السؤال الاعتيادي التالي لمقاربة أي أمر يحدث في الصين مع بلدي وتوقعت سؤالهم “ألا يوجد في عالمكم العربي حالات مشابهة؟”

وبالفعل بدأت أسمع لفظ سوريا يتردد فيما بينهم، فتعمّدت تجاهل الأمر على الرغم من رغبتي الشديدة في معرفة ما يقولون، إلا أني تركتهم يناقشون الأمر فيما بينهم بعيدا عن الأسئلة المحرجة، ومع هذا لم أسلم.. إذ سألني أحدهم: “هل توجد هكذا حوادث عنفية في سوريا؟”

كنت سأبدأ إجابتي الاعتيادية “إنها الحرب اللئيمة هي التي كرّست عنفا لم يكن موجودا في السابق” إلا أنّ الإجابة جاءت هذه المرة على لسان إحدى الحاضرات التي قالت: “يُقال أن دمشق كالجنة؛ فقد قرأت مرة مثلا شعبيا يقول: إذا وجدت جنة على الأرض فستكون دمشق”.

أعجبتني براءة الطفولة لديها وناسبني ما تقدّمت به فأيّدتها تماما وقلت: “إنها الجنة”..لكن فاجأني أحدهم بسؤال آخر: “إذاً لماذا لم يفاجئك الأمر.. لماذا قلت أنه ممكن الحدوث في معظم الدول؟” فأجبته: “لأنّه وبنظرة واسعة من الممكن أن ندرك أنّ حوادث كهذه موجودة في معظم دول العالم، حتى في أكثر الدول تطوّرا” .

أقنعهم الجواب، وبدأ جو الحزن يتضاءل شيئا فشيئا، وكأنّ الله أرسلني رحمة إلى الصينيين لأخفّف عنهم مصابهم بمصابي.

ولكن، بعد هذا الحوار، خطر في بالي سؤال: كيف تعلّموا أن يرفعوا أصواتهم في مواجهة الخطأ، كيف تحوّل هذا الشعب الذي عانى سنوات من الحروب والاضطهاد إلى شعب ينبذ العنف ولا يعدّ الجريمة “شرفا” كما هو الحال في معظم دولنا العربية؟

كيف تمكّنوا على الرغم من العنف الذي واجهوه سابقا أن ينبذوه ويتبرّأون منه، لا بلّ يرونه عارا، وكم هي مهمة فكرة رفع الصوت والإشارة إلى الخطأ على أنه عار كي يتجنبه الجيل الجديد؟

لا بدّ أن يعيدنا الأمر إلى جدلية: من ينهض بالآخر الدولة أم الأفراد، فهل يمكننا القول في هذه الحالة إنّ أولئك الأفراد هم الذين شكّلوا ثقافة جمعية تنبذ العنف فباتوا يشيرون إليه ويخجلون منه، أم أن الدولة عملت على نشر ثقافة السلام من خلال تربية تبدأ في المدارس لتصل إلى هكذا مجتمع، بحيث يصبح اندماج الفرد بالمجتمع أمرا جيدا لأنه يضمن تنشئة اجتماعية سليمة؟

ربما تحتاج مجتمعاتنا إلى إطار اجتماعي جديد يعيد تعريف مفاهيم كثيرة، ولكن يبقى العمل الفردي تجاه ترسيخ هذه المفاهيم عملا عشوائيا من دون دعم الدولة، دولة تسند وتحمي وتنشر أفكارا مُثلى تنتج مجتمعات قادرة على رفع الصوت والقول للخطأ “خطأ بعينك”.

http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version