Site icon هاشتاغ

“التمييز”.. ظواهر محيِّرة

خطوط حمراء

نضال الخضري

في كل الأزمة الأوكرانية هناك خط هش لا بد من تتبعه لأنه يصل نحو “التمييز”، فما يحدث ينقل المشهد من بانوراما سياسية عالمية إلى عمق آخر في الثقافة التي تميز المجتمعات، وتتجلى بمظاهر مرتبطة بإرث كل مجتمع.

ورغم سعي المنظمات الدولية إلى البحث عن ضوابط إلغاء التمييز، مثل الجندرة على سبيل المثال، إلا أننا في الصورة النهائية نجد أنفسنا وفي أكبر حدث دولي أمام مظهر التمييز بين عالمين يلخصان حالة الشر المطلق والخير المُتخيل.

لا أملك أي شكوك من تعقيدات الأزمة الأوكرانية، إلا أنها تعبر بشكل واضح عن “التمييز” الذي يثيره الحدث السياسي، فيجعل الصورة الإعلامية أكثر تداخلا مع مخيلاتنا بشأن الخير والشر، ففي عالمنا وفي سورية تحديدا نلمس هذا الحد الفاصل الذي يلوي الحقيقة والوهم لصالح الانحياز، ولتمييز عالم عن آخر، في وقت لا نشاهد فيه أي مقاربة تعيد التوازن، وتضعنا ضمن عالم الواقع الذي لا يحمل معه فصاما بين الخير والشر.

في الحياة التي نعرفها يصعب وضع ثنائيات تميز الجماعات والأفراد، لكن التمييز حاصل لأنه أقرب لمخيلة اعتادت الاقتناع بامتلاك الحقيقية، فعندما نتنحى جانبا لأننا “الأكثر فرادة” فإننا نمارس تمييزا يفضي حتما للكراهية، وهذه الصورة ليست فقط في أوكرانيا حيث يظهر “شيطان” روسي أو أمريكي، ومجموعات عرقية روسية أو غيرها، ففي عالمنا لا نرى سوى الحدث الذي يهدف إلى رفض الآخر رغم كل حملات الديمقراطية التي اجتاحتنا مع بداية الألفية الجديدة.

التمييز حسب الجنس هو “نهاية السُلَم” في عملية الفرز الثقافي التي شكلت التاريخ الذي نعرفه، لكنها ليست من طبيعة الأشياء لأنها تعاكس نظام “المصالح” الذي تقوم عليه المجتمعات والدول، وهي تطرح “الانكسار” الحضاري في كل جولة حروب، وعندما نسعى للتوازن سيظهر “التمييز” كتجل لكل مساحات الإقصاء والعنف وصولا إلى الإرهاب الذي أصبح ملازما لعالمنا المعاصر.

في سورية هناك انعكاس لا سياسي للأزمة الأوكرانية.. نراها في التصورات الإعلامية المرافقة للحدث، وفي خطوط الفصل التي تصبح استحضارا لثقافة موغلة في القدم، فالمسألة بالنسبة لسورية هي فيما يعنيه التناقض المرسوم داخل المجتمعات وحتى الأفراد، فيتكرس “التمييز” من جديد كظاهرة ملازمة لنا؛ تكسر التوازن الذي يمنحنا حالة الأمان، وينقلنا إلى أفق الخطر والاستبعاد والإقصاء والنخبة التي تجسد كل معاني “الفرقة الناجية من النار” كما عرفناها في تراثنا.

الأزمة الأوكرانية تعنينا ضمن حالة الفصل الثقافي الحاصل بغض النظر عن أي بعد سياسي، وكأن كل تاريخ النهضة في أوروبا وحركة الحقوق المدنية في أمريكا أو غيرها من الحالات هي زمن خاص بمناطق جغرافية حصرا، في وقت يستبيح “التمييز” كل أشكال السياسة خارج تلك المجتمعات التي تتعالى على “العالم القديم”… من الجندرة إلى الشعور بالتفوق على شرائح اجتماعية، وصولا إلى جدار العزل في فلسطين ومسار العذاب لعبور الحدود السياسية؛ تبقى صورة الآخر التي نرسمها وفق التحيز الذي يضمن لكل شخص خيلاء تفوقه و “تمايزه” عن الآخر.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version