Site icon هاشتاغ

التمييز.. عودة للبدايات

خطوط حمراء

هاشتاغ_ رأي نضال الخضري

تظهر الصورة الذهنية الأولى للتمييز في اتجاه واحد؛ فهي قصة تعنيف أو اضطهاد أو حرمان من الحقوق، والشخصية الرئيسة في هذه السردية هي الأنثى، فتاريخ المرأة مليء بعمليات السبي والاغتصاب والعبودية، وشكل أيضا سلم قيم خاص دفع الهيئات الدولية في مراحل متأخرة لتكريس نشاط خاص بالتمييز الجنسي، لكن المثير في هذه المسألة هو طبيعة رؤية التمييز كحالة تسير باتجاه واحد بدايتها وغايتها الأنثى.

عندما نحاول عكس اتجاه رؤية التمييز فإننا سنصل إلى العلاقات التبادلية، فاضطهاد المرأة قابله زيادة مسؤولية الرجل في كثير من الأحيان، فحتى المعايير الجمالية يصفها البعض بـ”الذكورية” لأنها تعتبر “الجمال أنثى”، إلا أن عمق هذا الموضوع يحمل شكلا أخر من “التصور الخاص” للرجل وتمييزا غائبا عن تفكيرنا، ورغم أن الأنثى هي الأكثر تضررا عبر التاريخ، لكن الرؤية المتكاملة تستطيع خلق عدالة مستدامة.

كإناث نحن نرعى التراث الثقافي ونلقنه لأبنائنا، ونرى القوانين وننتقدها ونقف عاجزين أمام خلق رؤية جديدة، فالنظام الأبوي يؤمن حماية لم تجرب الكثيرات تجاوزه لتنظر خارج غلاف القيم التي أصبحت تاريخية، فالقوانين التي تلغي الجندية عن النساء على سبيل المثال هي النموذج للتفكير الذكوري الذي يعفينا من كثير من المسؤوليات، والحضانة الملزمة للرجل في حال تخلت المرأة عنها ومسائل المهر والنفقة على صغرها هي استكمال للقيم التي تخلق تمييزا للرجل كـ”راع” للإناث.

تفترض العدالة الاجتماعية مراجعة سلم القيم التي نبني عليها كل صورتنا للتمييز، وللاضطهاد الذي نعتبره قضية المرأة، ولنحاول رسم رؤية من خارج إطار الصور النمطية للمجتمع الذي نسمه بالذكورية، في وقت تكرس الإناث أنفسهن راعيات لعملية الفصل عبر تصور المسؤوليات التي يمكن أن تترتب في حال إلغاء كل مظاهر “الجندرة”.

حتى نتصور العدالة بين الإناث والذكور نحتاج إلى سلم قيم مختلف لا يمكن أن يظهر بشكل ذاتي، فهو يحتاج إلى فهم مختلف للمجتمع في زمن حمل معه أعباء من الماضي، ويحاول في نفس الوقت رسم المستقبل بتصورات تحتاج لمعرفة مختلفة لمسألة “الجندرة” أو غيرها من عمليات التمييز.

لا تملك الإناث خيارات كثيرة في رسم تصوراتهن القادمة عن كسر حواجز التمييز، فهن مربوطات بمسؤوليات محددة وبحالة مساواة تُعتبر ميزة في كثير من الأحيان، ابتداء من المهر ووصولا إلى حالات تفصيلية أكثر تجذرا في ذاكرتنا الاجتماعية، وفي كل هذه المظاهر تبقى مسألة “الرعاية” هي الأهم، لأنها تشكل شبكة أمان تعفي الكثيرات من هموم التفكير بالقيم المترتبة عن مسألة “المساواة” التي لم تعطِ سوى مظهر لا يرقى للعدالة، ولا يجعل تصورات الحياة المعاصرة أكثر حضورا أمام “قيم التراث” التي تبدو أقوى من كل محاولات “تحرر المرأة” منذ بداية القرن الماضي.

طالما هناك فروق بيولوجية فمن الصعب تخيل حالة ندية بين الجنسين، ولكن هذه الفروق باتت أكثر هشاشة في عالم أصبح فيه التفوق البيولوجي هامشيا لأبعد الحدود، فالندية التي يمكن البحث عنها اليوم هي في مساحة قدرتنا على بلورة التمييز كمفهوم يمكن إسقاطه على الجميع، وعلى قضايا لا علاقة لها بالجندرة وعلى الكثير من القيم التي تخلق حاجزا بيننا وبين المستقبل.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version