Site icon هاشتاغ

عن البلاد التي نحبّ

هاشتاغ _ جود سعيد

الثقافة كالخبز، عندما يُقَنَن الصرف فيها أو يكاد ينعدم، سنربي أجيالاً مصابة بسوء التغذية العقلي.

أجيالٌ لن تتعلم من المآسي السابقة بل ستُعيد إنتاجها.

الثقافة وأحد أوجهها أي الفن، يهذبان الشعوب، يرفعان من السوية الحضارية للمجتمع، أعتقد أن هذا من البديهيات، لكن نحن بحاجة إلى إعادة قراءة البديهيات.

كلّما انحدرت السوية المعرفية لمجتمع سيُعجب ويتماهى مع فن المقاولات وغيره كوسيلة للتعبير عن ذاته، وسيعيد إنتاج دائرة العنف إن كان تجاه الدولة (التي لا تدرك النتائج الكارثية لجهلها المرعب في هذه القطاعات) أو تجاه الشركاء في المجتمع.

الثقافة تعلّم الفرد الانتماء، والأخيرة هنا تعني الكتاب والفيلم والمسرحية وغيرها، هذه العناصر هي من تفعل ذلك وعبر التكنولوجيا، لم لا، كي لا أتهم بمعاداة التطور.

التكنولوجيا وسيط رائع لتسهيل المعرفة وتسريعها وهذه ميزة تمتلكها الأجيال الجديدة، ولكن شكل استخدامها في مجتمعاتنا جعل منها غولاً يوجهنا عبر القائمين عليه دون أن ندري وأتمنى أن ندرك ذلك ونجيرها لصالحنا لا أن نكون أسراها.

تتجه أنظار العائلة وحتى الدولة تنموياً باتجاه توجيه الأبناء نحو المهن المُنتجة بشكل مادي محسوس أو المرتبطة بالحاجات الأساسية والتي توفر تطوراً اقتصادياً خدمياً وعلمياً في المجتمع.

نعم، إن الحصول على ألف عالم رياضي وفيزيائي وألف مهندس ومئات الأطباء هو شيء عظيم ويجهّز مجتمعاً نشيطاً منتجاً، ولكن، ينقصه الانتماء، تنقصه الهوية.

كل هؤلاء سيفتقدون من يكتب عن ألمهم، من يصوّر أملهم من يعزف لفرحهم، كلهم سينقصهم من يكتب نشيداً يجعلهم يعون حاجتهم لبعضهم البعض، سينقصهم من يهذب نفوسهم بعمل فني، سينقصهم من يخيفهم على غدهم بفيلم عن عنفهم تجاه بعضهم…

من هنا فتنمية المهارات في أي مجال لا تكفي، بناء العقل معرفياً هو الأساس، وذلك لا يكون إلا بالثقافة والفن والجمال.

ما الذي نفعله؟ باختصار.. لاشيء، وما نفعله يُصنف فعلياً أنه أقل من لاشيء.

عندما نجد ورشات ودورات تمنح شهادات يديرها من يحتاج هو ذاته للتدريس، ناهيك أن البعض يُدرّس في معاهد الدولة!

عندما يكون القائمون على الحفاظ على الذائقة الفنية لم يشاهدوا عملاً فنياً منذ سنوات، عندما نتبع ونصفق لمؤثرين على السوشال ميديا لا يفرقون بين رامبو ورامبو* مالذي يحصل حينها؟

سنتتج جيلاً يعتقد أن الرداءة هي الفن وأن الانتماء هو مطعم وجبات سريعة وأن الهوية هي انفلونسر على السوشيال ميديا. وهذا ما نفعله.

ما الحل؟ لست أنا من يقدم حلاً.. هذا عمل مؤسسات..

أنا من يجيبك عن أسئلة مثل؛ لماذ نتقاتل بعد كل مباراة؟ لماذا ينجح عندنا فيلم أو مسلسل يُحقّرنا؟ لماذا نهاجر؟ لماذا لم نحقق أي حضور معرفي فني ثقافي مؤخراً؟! وغيرها من أسئلة أستغرب من استكانة المسؤولين في عدم البحث عن أجوبة لها.

قد يتساءل البعض ما الذي يريده جود؟

لراحتكم أقول إن مشروعي السينمائي القادم شبه ممول وهو خارج إطار مؤسسة السينما التي لم أعمل بها منذ أكثر من سنتين، ولديّ مشروع درامي حالياً، إذاً لا أكتب لأجلي.

كلّ ما أريد هو أن لا يدوس على قبورنا من سنترك لهم يوماً هذه البلاد التي نحبّ.

* آرثر رامبو: أحد أشهر شعراء فرنسا

http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version