Site icon هاشتاغ

الثلاثية التي أخفق الاقتصاد السوري فيها

رأي – أيهم أسد
يقول الراحل محمد حسنين هيكل في كتابه “عند مفترق الطرق”: منذ بدء الحضارة وكل عمل إنساني يمر في ثلاث مراحل متعاقبة، وأحياناً تكون متداخلة، وهي:
نقطة البداية: (أي القرار)
خط الممارسة: (أي الحركة)
المحصلة: (أي النتائج)
ولو اعتبرنا بأن الزراعة كانت مدخل الإنسان إلى الحضارة لوجدنا أن المراحل الثلاث تتمثل فيما يلي:
الغرس: وهو نقطة البداية أو القرار
الفلاحة: وهي حركة الرعاية المستمرة للغرس ومتابعته
الحصاد: وهو جمع النتائج التي يحققها الغرس والفلاحة وحماية هذه النتائج والاستفادة منها إلى الحدود القصوى.
ولا بد أن تكون البداية سليمة لتكون هناك فرصة لممارسة سليمة ثم لمحصلة نهائية سليمة، وقد يحصل أحياناً أن يكون الغرس طيباً ولكن الفلاحة تقصّر في دورها فلا يكون هناك حصاد، أو أن يكون الغرس طيباً وتكون الفلاحة واعية لكن أسلوب الحصاد يفسد المحصول، أو أن يكون القصور في حماية المحصول بعد الحصاد فإذا اللصوص يسرقونه من الجرن.
يمكن إسقاط تلك المراحل الثلاث على أي نوع من القرارات الاقتصادية التي حدثت أو ما تزال تحدث في الاقتصاد السوري حتى الآن، وليكن لدينا منها بعض الأمثلة السريعة، فالقرار الاقتصادي غير السليم منذ البداية لن يفلح أي تطبيق له بأن يجعله صالحاً، ولن يكون له نتائج إيجابية ومثال ذلك في الحالة السورية قرارات رفع أسعار المحروقات المتتالية التي بدأت منذ عام 2008 حتى الآن بحجة تصحيح عجز الموازنة العامة للدولة، لكنها أثرت سلباً وبشكل كبير على الاقتصاد والمجتمع، فلا الاقتصاد استفاد ولا عجز الموازنة تقلص، لأن تلك القرارات جاءت لأسباب مالية بحتة دون سواها، ولم تترافق مع معالجة مشكلات الاقتصاد الأخرى.
القرار الاقتصادي الصحيح إن لم يلق بيئة داعمة له وشروطاً مؤاتية لتطبيقه وممارسات صحيحة له لن ينجح في تحقيق أهدافه، ومثال ذلك قرار تحرير التجارة الخارجية وقرار إصلاح القطاع العام الصناعي، فهذين القرارين من حيث المبدأ صحيحين لكن أسلوب تطبيقهما ومتابعتهما كانت غير سليمة الأمر الذي لم يحقق النتائج المرجوة منهما، فلا الاقتصاد تحسن من تحرير التجارة ولا القطاع الصناعي تم إصلاحه.
والقرار الاقتصادي قد يكون سليماً ويتم تطبيقه بخطوات سليمة لكن عندما يحين تحقيق النتائج فإننا لا نجيد استخدام تقنيات الاستفادة منها فلا تتحقق النتائج، ومثال ذلك قرارات تحرير القطاع المالي والنقدي في الاقتصاد السوري، فالمصارف الخاصة التقليدية والإسلامية لم تحقق نتائج اقتصادية مغايرة لما حققته المصارف العامة، وشركات ومكاتب الصيرفة لم تحقق نتائج مرجوة منها في ضبط سوق النقد أيضاً ولم يكن الدور المرجو لهم في الاقتصاد هو الدور الذي حققوه.
ويبدو من الواضح أن التوافق والانسجام بين ثلاثية “الغرس – الفلاحة – الحصاد” في الاقتصاد السوري لم يتحقق بشكل فعلي في الكثير من القرارات حتى الآن، لذلك وصلنا إلى واقع يمكن وصفه بأنه “بوراً” ولم يعد تنفع فيه كل تقنيات الزراعة.
Exit mobile version