Site icon هاشتاغ

الجميع قيد الاحتلال..

رأي_أيمن علوش

مُعظمنا يقع تحت الاحتلال، وهذا ليس فقط في المجتمعات العربيّة أو دول العالم الثالث أو الأنظمة التي تُوصف بالديكتاتورية أو الشموليّة، بل في الولايات المتّحدة ودول الغرب وجميع ما يُسمّى بالديمقراطيات ودول حقوق الإنسان، بما فيها الأحزاب السياسية والاجتماعية بمختلف ألوانها، سواءً كانت خضراء أو حمراء او ملوّنة، وكذلك أيضاً المنظمة الدولية والمنظمات الدينيّة والإقليميّة وكلّ ما يتفرّع عنهم وما لا يتفرّع عنهم من منظمات وهيئات ولجان ووكالات، وصولاً إلى مختار قريتنا.

هذا ليس ما كشفته الحرب الروسية على أوكرانيا بل ما تؤكّده هذه الحرب. إنها ماكينة القوة ورأس المال والإعلام والايديولوجيه.

في هذه الحرب المكلفة على كافّة الأصعدة تتقاربُ مواقف الدول بشكل لا سابق له، وربما لأنّ ما يحصل يتجاوز موضوع دولة تشن حرباً على دولة أخرى للسيطرة على مواردها الطبيعية أو لتغيير نظام الحكم فيها بآخر موالي او لبسط السيطرة على أراضٍ مُتنازع عليها.

إنها حرب العودة إلى ثنائية القطبية، وربما كان إلى مجتمع أحادي القطبية بدأت تظهر ملامحه بتجاوز الصين لكثير من مؤشرات الدولة الأعظم، وما يعنيه ذلك على الولايات المتّحدة بشكل رئيسي، من خسائر اكتسبتها كنتيجة لقوتها العسكرية وهيمنتها على العالم، ومن ثم على عقلها المدبّر وشريكتها الأقرب بريطانيا.

استنفرت القوّة الأمريكيّة للهجوم الروسي على أوكرانيا، واستنفرت معها كلّ الدول الواقعة تحت هيمنتها. اشتغلت سفارات أمريكا وبريطانيا على نقل إملاءات حكومتيهما بإدانة الهجوم الروسي وبقطع كلّ أشكال العلاقة مع روسيا والالتزام بكافة العقوبات التي تُتخذ ضد روسيا، فغاب شعار “لا لتسييس الرياضة” و ” لا لتسييس الفن” و ” لا لتسييس الثقافة” فأصبح كلّ روسي، مهما كان عمله او انتماؤه أو موقفه من هذه الحرب شريكاً في قتل الأوكرانيين وتشريدهم، و جب جلده و إقامة الحدّ عليه.

استنفرت القوة الاقتصادية الأمريكية فاستنفرت معها كل المؤسسات والهيئات الماليّة في العالم، وبدت وكأن كلّ القوى المالية في الولايات المتحدة والدول الحليفة والتابعة تخضع لسلطة واحدة، ابتداءً بالبنك الدولي و وول ستريت وصولاً إلى أصغر بار و سوبرماركت في أقصى ريف دول الحلف.

استنفرت القوّة الإعلامية فأصبحت روسيا الشيطان الأعظم وأصبح الشعب الأوكراني الشعب الوحيدالمنكوب الذي يستحق تعاطف ودموع كلّ دول العالم. غاب الرأي المتوازن وحضر الصوت التكفيري الذي لا يرى العالم إلّا كما تريده أمريكا وبريطانيا.

يتكلم عضو البرلمان الإيرلندي ريتشارد باريد مطولاً خلال جلسة برلمانية عن ازواجية المعايير وينتقد بشده موقف بلاده من نظام الفصل العنصري الذي تمارسه “إسرائيل” في الأراضي المحتلة، مستشهداً بتقارير منظّمة العفو الدوليّة وحقوق الإنسان، ولكنّ كلّ الصحف العالمية ( الاندبندنت والتايمز وغيرها) تتجاهل كلامة هذا وتركز على انتقاده للرئيس بوتين وروسيا على فعلتها.

ولم توفر الولايات المتّحدة المنظمة الدولية ووكالاتها وهيئاتها من إملاءاتها، ولا تستطيع هذه المنظمة المتآكلة إلا أن تصغي للدولة التي تساهم بالحصّة الأكبر من ميزانيتها، ولا يغيب عن أحد كيف تصرفت الولايات المتّحدة مع المنظّمة عندما اتخذت قرارات لم ترض عنها الولايات المتّحدة أو “إسرائيل”.

قوة الإيديولوجيا كانت أيضاً حاضرة، فالدول التي عانت من نير الاستعمار أو ازدواجية المعايير الأمريكية والغربية توزّعت بين الوسط واليسار ويسار اليسار، وهي رغم تباينها في التموضع إلّا أن مواقفها تحمل في جوهرها تأييدا للحرب الروسية وخوفا من الانتقام الذي هددت فيه بريطانيا وأمريكا، وظهر ذلك جلياً في التصويت على قرار الجمعيّة العامة، حيث اكتفت دول حليفة لروسيا بالامتناع عن التصويت.

وتنسحب الإيديولوجيا على الموقف السوري الشعبي، فوقف مع روسيا معظم من كان مؤيداً للرئيس بشار الأسد ويعتقد أن روسيا قد حمت سورية من الإرهاب والسقوط، في حين انتقده كل من يرى أن روسيا كانت شريكة في معاناة المواطن السوري وتهجيره.

القوّة الإضافية التي كانت مقنعة أيضاً لدى شريحة من الشعب السوري هي قوّة الأمعاء الخاوية، فهم ضد هذه الحرب لأنها لم تترك سلعة في سورية إلا وأثّرت عليها، بما فيها البيض الذي تبيضه دجاجات جارنا في القرية، فهؤلاء مهتمّون بسعر ليتر الزيت ورغيف الخبز أكثر من انفجار المفاعلات النووية الثلاث في أوكرانيا.

كلّ ما يحصل في هذا العالم يبرهن، بما لا يدعو للشكّ، بأننا جميعاً قيد الاحتلال. قد تختلف القيود بين الذهب والفضّة والنحاس والحديد، ولكن جميعها لا تجمّل الاحتلال.

*دكتوراه في السياسة الدوليّة

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version