هاشتاغ_رأي مازن بلال
لا تملك سورية سياسيا على الأقل نموذجا لدعم حقيقي من الجامعة العربية منذ تأسيسها، فالعلاقات الثنائية والتحالفات بين دمشق وعدد من العواصم العربية كانت أقوى من أي تأثير للجامعة، لكن الجامعة العربية كتشكيل إقليمي باتت مرتبطة بالتاريخ السياسي الحديث للدول العربية، على الأخص تلك التي شاركت في تأسيسها، فالأهمية التي تحملها لا ترتبط بقدرتها على التأثير في الأزمات الإقليمية، إنما بكونها هيئة اعتبارية داخل المحافل الدولية قادرة في بعض الظروف على خلق مواقف موحدة.
في المقابل فإن الجامعة العربية تم استخدامها طوال العقود السابقة على تثبيت الشرعية للنظم السياسية في المنطقة، والحادثة الأكثر حضورا كانت بعد توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد حيث تم نقل الجامعة إلى تونس، وهذا الإجراء حمل معه أمرين أساسيين: الأول منع “منظومة” العمل العربي من الانهيار نتيجة خروج مصر من الجامعة، والأمر الثاني تثبيت شرعية لعمل النظام العربي في موضوع الأمن الإقليمي الذي كانت “إسرائيل” التهديد الأكبر له.
بالتأكيد فإن “منظومة” العمل العربي تحولت كليا عام 1990 بعد احتلال العراق للكويت، فحتى مسألة الأمن الإقليمي تغيرت بشكل جذري لترتبط بحالة دولية مرتبطة بالولايات المتحدة حصرا، على الأخص مع انحسار نفوذ الاتحاد السوفياتي وانهياره لاحقا، فالجامعة العربية باتت عبئا على إعادة تشكيل النظام الإقليمي وذلك مع ظهور مشروع الشرق الأوسط الجديد، ومنذ التسعينيات حتى اليوم فإن “الجامعة العربية” انحسرت كـ”منظومة” لصالح ترتيبات إقليمية متتالية، ويمكن هنا ملاحظة ثلاث أمور أساسية:
– الأولى أن “مشروع الشرق الأوسط الجديد” لم ينته، بل تحول على مراحل وتجاوزت مهمته الأساسية مسألة إدخال “إسرائيل” ضمن منظومة أمن إقليمي لشرقي المتوسط، حيث مر بمرحلة أولى لكسر حلقة النفوذ الإيراني وبلغ هذا الأمر ذروته في حرب 2006، ثم انتقل بعد ذلك إلى إعادة ترتيب المنطقة مع بداية ما سُمي بالربيع العربي؛ حيث أصبح النظام العربي ممثلا بالجامعة العربية جهازا لمنح الشرعية للحكومات التي واجهت اضطرابات مختلفة.
– الثاني يرتبط بمنظومة العمل العربي المشترك عبر الجامعة التي تغيرت كليا، فإيران أصبحت موضوعا أساسيا لا يرتبط بكونها “عدوا” لبعض الدول، بل لخلق توازن في مواجهتها بعد أن غدت الجامعة مؤسسة لا تستطيع التعامل مع مسائل الأمن الإقليمي، وظهرت مشاريع مثل صفقة القرن التي فتحت الباب لـ”إسرائيل” كي تدخل إلى صلب الأمن الإقليمي.
– الثالث هو غياب “الجامعة العربية” كمعبر عن الأمن الإقليمي أتاح عمليا فرضيات مختلفة للعلاقات في شرقي المتوسط، ورغم عدم وجود بديل حتى اليوم عن دور هذه المنظومة لكننا نشهد محاولات مختلفة لملء الفراغ الذي خلفه انتهاء الشكل الإقليمي الذي ميز مرحلة ما بعد الاستقلال للدول العربية.
عمليا فإن العالم اليوم يحمل إمكانية إعادة لصياغة العلاقات الدولية، وسواء استطاعت روسيا إنجاز مهمتها عبر الحرب الأوكرانية أو فشلت بذلك، فإن العلاقات الإقليمية والدولية ستشهد حالة مختلفة، ما يجعل الجامعة العربية في موقع يمكن عبره خلق توازن من جديد، فالنظام الإقليمي لن يعود لما كان عليه سابقا، لكنه في نفس الوقت يحتاج لدور مختلف للجامعة العربية التي تحولت خلال عقد إلى شكل عاجز عن خلق أي مساحة سياسية فاعلة.