Site icon هاشتاغ

الحلال والحرام في “الكارثة السورية”

الحلال والحرام في "الكارثة السورية"

الحلال والحرام في "الكارثة السورية"

هاشتاغ-نضال الخضري

على حجم الكارثة التي داهمتنا تظهر الطبيعة المأساوية لطريقة التفكير بما خلفته على الأرض، فالموضوع لا يبدو فقط إنسانيا لأن رؤيتنا لطبيعة الزلزال وضعت صورة قاتمة لفكر غير قادر على لملمة العواقب الاجتماعية، أو ربما التسرع بوضع حلول تعكس هموما فردية وليس وطنا أوجعته الكارثة بعد أن أنهكته الحرب.

أوجد الزلزال عائلات بلا مأوي أو عمل، وفي المقابل وضع أمامنا أطفالا بلا عائلات أصبحوا مادة لوسائل التواصل الاجتماعي، ومجالا للحديث عن “المعيل” و “التبني” و “الكفالة”، وبغض النظر عن اختلاف التسميات لكن المسألة جعلتنا نواجه “بؤس” التشريعات التي تعود لزمن كان فيه النسب محددا لقيمة الأفراد.

مع تطور تبعات الزلزال ظهرت “الرغبات” في رعاية الأطفال الذين فقدوا ذويهم، وربما فقد أقرباءهم القدرة على تحمل المسؤولية في إعالتهم، وكانت وسائل التواصل تنقل “مزاودة” بين “مشاهير” و “مجهولين” لتبني هؤلاء الأطفال، وربما نسي الجميع أن قانون الأحوال الشخصية السوري يحتفظ حتى اليوم بضرورة وجود ولي أمر الأنثى إذا أرادت الزواج، ويعتمد على مبدأ شهادة الأنثى مثل حظ الأنثيين بغض النظر عن الأسباب الموجبة لتجاوز هذه القاعدة.

مسألة الكفالة أو التبني ليست تشريعات فقط، لأنها تتطلب “مؤسسات رعاية اجتماعية” قادرة على مراقبة هذا الموضوع، وتحتاج أيضاً مسؤولية اجتماعية عالية، وقادرة على تشكيل ثقافة لا تتجاوب مع الكوارث فقط إنما مع الواقع الاجتماعي الذي يتحرك باستمرار، فالحرب في سورية ظهر معها “مجهولو النسب”، وكونت أيضا شكلا اجتماعيا يخترقه العوز وعدم القدرة على الإعالة، وظهرت تشريعات سورية تقترب من التبني لكنها تحمي الأنساب!

مشكلتنا اليوم في كارثة مختلفة عن الزلزال، فالضرر يبدو في التفكير الذي يحصر الحلول الاجتماعية ضمن إطار التقليد أو العادة، أو حتى يخشى تجاوز الصندوق المغلق لثقافة لا تستطيع التفكير بعالم بات افتراضيا أكثر من أي وقت مضى، وتحولت فيه الأنساب إلى “فانتنازيا” غير قادرة على حماية الأفراد أو الحفاظ على مكانتهم الاجتماعية.

ربما تبدو مسألة الأطفال الأيتام وسط الزلزال كحالة استثنائية لزمن سوري صعب، لكن تفكيرنا بها يعكس واقعا آخر تماما لأنه يخلو من إبداع أو تجاوز للماضي نحو المستقبل، فصياغة الكارثة على إيقاع المحرم والمكروه وفق نفس المنطق القديم لن يوصلنا إلى استيعاب النتائج الاجتماعية، فالحرام والحلال سيبقيان بالتأكيد، لكنهما اليوم “حلالا” للحفاظ على الأمن اجتماعي و “حراما” من كسر التمييز لمجتمع كان قادرا على الاستمرار طوال القرون الماضية.

نحن أمام حالة اجتماعية ملفتة جعلت الأمم المتحدة تصدر بيانا حول النساء الحوامل اللواتي تضررن من الزلزال في سوريا (130000 امراة)، فالمسألة هنا ليست حالة صحية فقط بل إرادة لكسر الخوف الذي جذره الرعب من جهةٍ، والتكوين الذي سيظهر لاحقا نتيجة التأثير المباشر للزلزال على النسيج الاجتماعي، وأي ثقافة قادمة لا تتجاوز الموروث عند بحثها عن حلول فإننا سنبقى في إطار “الشفقة” وليس التنمية الاجتماعية لبلد منهك.

مرفق رابط: احصائية الامم المتحدة: https://www.unfpa.org/press/earthquake-survivors-include-356000-pregnant-women-who-urgently-require-reproductive

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version