Site icon هاشتاغ

الدون كارلو.. فيلسوف كرة القدم الواقعية

هاشتاغ-رأي-زياد شعبو
تمثل كرة القدم في إحصائيات غير مثبتة، النشاط البشري الأكثر دقة في حصيلة التأريخ، وتعد لعبة من أكثر الرياضات إنتاجا للبيانات التي تحدث حدوثاً شبه يومي على صعيد العالم بقاراته جميعها.
وأن تُفسح لنفسك حيزاً داخل هذا الفيضان الهائل من البيانات لهو بحد ذاته إنجاز كبير.
الدون كارلو أنشيلوتي لم يخلق ذاك الحيز فقط، بل ابتعد كثيرا حتى صنع بحدود فكره مملكة في تاريخ و حاضر كرة القدم.

دكتور الواقعية الأنشيلوتية

قبل فترة ليست ببعيدة حاز الدون كارلو على شهادة الماجستير الفخرية في علوم وتقنيات الأنشطة البدنية الوقائية والمكيفة من جامعة بارما الإيطالية.
مر الخبر بمنزلة إعلان مأجور لمدة محدودة واختفى من التداول، فاللقب فخري لايستحق أكثر من ذلك، لكن في تقييم علمي نستطيع أن نفهم كيف لشخص أن يستحق تقديرا علميا عاليا بأقل جهد فكري.
مسيرة الإيطالي (64 عاماً) لم تكن حصيلة المصادفات المتتالية، وبطيبعة الحال ليس بالحظ وحده ينجح الإنسان.
أنشيلوتي بصفته لاعبا ومدرب كرة قدم في جعبته مجموعة من الأرقام القياسية سيصعب في الوقت المنظور تحطيمها، وخصوصا أنه احترف كرة القدم لاعبا ومدربا في عتبات زمنية شهدت طفرات كبيرة في عالم صناعة كرة القدم ومسابقاتها، لكنه نجا من تلك التغييرات الكبرى كلها بفضل خاصية التكيف والواقعية التي ميزت أفكاره الثابتة.
الرجل يدرك كرة القدم تكيكيا بطريقة أشبه إلى الشطرنج، فهو يعرف متى وكيف وأين يدافع، وأيضا أمام الخصم نفسه يدرك متى وأين وكيف يهاجم.
يتكيف ويتأقلم بتأثير الظروف وكأنه قائد عسكري يعرف كيف يحافظ على رباطة جأشه وكيف يجعل من جنوده بيادق ثابتة لا فسحة فيها لأي اجتهاد.
تجارب الدون كارلو هي أقرب لفلسفة واضحة المعالم بواقعيتها وخصائص التكيف والتأقلم بما تملكه من أدوات. نعم يستحق أن يكون بروفيسورا يملي على طلابه واجباتهم ويرفعهم من مستوى إلى الأعلى مع كل بطولة.

أسبوع ملكي صنعه أنشيلوتي

بعد هذا الأسبوع الحاسم الذي خاضه ريال مدريد كان لا بد من أن تكون مناسبة وبرهاناً على أحقية أنشيلوتي بصفته مديرا فنيا في التربع على قمة أفضل مدربي اللعبة في التاريخ.
الرجل ذهب بنصف فريق إلى إنكلترا ليواجه أحد افضل أندية العالم؛ نادي مانشستر سيتي لحساب دور خروج المغلوب في أقوى بطولات العالم الكروية، ويجره إلى ركلات ترجيح بأقل جهد ممكن ويخطف بطاقة التأهل عن سابق إصرار وتصميم بواقعية تفوق فيها على نقاط ضعفه قبل نقاط ضعف خصمه.
ويلعب بعدها بأيام قليلة مباراة الكلاسيكو أيضا بنصف فريق معدل أعماره كبير مقارنة بلاعبي الخصم. الآلية التي تكيف فيها أنشيلوتي بعد مباراة كبيرة لعب فيها 120 دقيقة وواجه برشلونة الذي حمل المباراة كلها بعنوان مباراة الموسم، ليكتب انتصارا جديدا بالنظر إلى ظروفه يعد انتصارا كبيرا.
تجاوز أنشيلوتي أسبوعا صعبا وقاسيا وسط كل ما يعانيه الريال من نقص في أدواته ومن دون مهاجم صريح لموسم كامل وغياب الحارس الأساسي.
تلك العوامل كلها لا ينجو منها إلا الدون كارلو أنشيلوتي بهدوئه وواقعيته وعبقريته وتآثيره وخبرته.
Exit mobile version