Site icon هاشتاغ

“الديمقراطية” على الطريقة الصينية: كثيرٌ من العمل وقليلٌ من الكلام

هاشتاغ – لجين سليمان

لطالما أخذ مفهوم “الديمقراطية” حيزا واسعا من تفكير الشعوب العربية، لا سيما في ظل حاجتها إلى التحدث بحرية عن مشاكلها ومعاناتها.

كان للمفهوم الغربي للديمقراطية تأثيره الكبير على طريقة تفكير شعوب هذه المنطقة وذلك بسبب قوة الدعاية الغربية حول مفهوم الديمقراطية وضرورة ممارسة الحريات .

إلا أنه بات من الأمور الملحّة اليوم إعادة تعريف مفهوم “الديمقراطية” خاصة بعد النهضة الصينية التي أظهرت نهجا جديدا في تطبيقها.

ولذلك لا بدّ من طرح السؤال التالي “هل الديمقراطية هي مجرد كلام واحتجاجات و مظاهرات أم انها العمل على انتشال السكان من واقع سيء إلى ما هو أفضل مع إرساء دعائم الأمن والأمان؟”.

يقول “فانغ نينغ” مؤلف كتاب “ملامح الديمقراطية الصينية”: “تشبه الديمقراطية الغربية ارتيادك أحد المطاعم واختيارك: هل تريد طاهيا فرنسيا أو إيطاليا أو ألمانيا ليقرر بالنيابة عنك ماذا تأكل مما هو موجود أساسا على قائمة الطعام؟”.

مضيفاً: أما مع الديمقراطية الصينية فنحن لدينا الطاهي نفسه وهو الحزب الشيوعي لكننا سنعتاد شيئا فشيئا اختيار الأطباق التي يطهوها”، وهو ما يطرح سؤالا آخر: من هو الأكثر أهمية؛ الطاهي أم القيمة الغذائية في الوجبة التي ستقدّم؟

الأمر ذاته عبّر عنه “قوه وي” مدير مكتب جمهورية الصين الشعبية لدى دولة فلسطين الذي كتب “إنّ الديمقراطية الصينية ديمقراطية واسعة وحقيقية وفعّالة، ليست ديمقراطية زخرفية، بل أداة لمعالجة القضايا التي تهمّ الشعب”.

وبالفعل فإنّ الديمقراطية الصينية قد سعت إلى معالجة مشاكل المواطن بدلا من رفع شعارات رنانة، وذلك من خلال بناء مدن حديثة ورفع متوسط دخل الفرد، مرورا بالتخلص من الفقر المدقع وصولا إلى صعود الصين كقطب عالمي جديد.

وردت فكرة “الديمقراطية التدريجية” في كتاب “فيم تفكر الصين؟” لمؤلفه “مارك ليونارد” والذي شغل منصب المدير التنفيذي للعلاقات الخارجية في المجلس الأوروبي، وقد عرّفها بأنها ديمقراطية النهوض بالريف وصولا إلى المدينة، أي ديمقراطية تبدأ من القاعدة وتنتهي بالهرم، ولكنها بالمجمل ديمقراطية فعل وإنجاز..

يروي المؤلف القصة التالية حول الأبحاث التي أُنجزت لدراسة سكان القرى من قبل المسؤولين في العاصمة بكين: ” اجتمع حشد من الفلاحين في قرية وكانوا يتحدّثون بنبرة حماسية عن مشاكلهم مثل انخفاض إيرادات حقولهم، وارتفاع أجور الأطباء والمدارس، ووحشة حياتهم المتفككة..

وأضاف: خلال بضع دقائق كان هناك عشرات الفلاحين يصيحون وأصواتهم ترتفع أكثر فأكثر في عاصفة غضب غير مجدية. ناشدوني جميعهم أن أحمل رسائل معاناتهم إلى بكين ولم يكونوا يعلمون البتة أن أصدقائي في بكين هم من أرسلوني لدراسة قريتهم بوصفها نموذجا لمستقبل الصين”.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

ويقول إن ذلك يوافق الطريقة الصينية العملية في حل أي مشكلة، فهل نهدف إلى مجرّد رفع الصوت والمطالبة بالتحدّث عن المشاكل أم أن الهدف هو حل هذه المشاكل فعلا؟.

وهنا لا بد من المرور على فكرة أخرى ألا وهي العلاقة الحقيقية بين “الديمقراطية” و “الازدهار الاقتصادي”، إذ يقول مؤلف الكتاب السابق الذكر: “في الثمانينات والتسعينيات زعم كثير من الباحثين أن الديمقراطية هي شرط ضروري لتحقيق نمو اقتصادي وسياسي أوسع.

ويوضح: “لكن في السنوات الأخيرة ولا سيما بعد نجاح الصين الاقتصادي تزايد السؤال عن وجود الربط بين الديمقراطية والتقدم الاقتصادي والسياسي، إن هذه نظرة ذرائعية للديمقراطية بوصفها طريقا للازدهار والاستقرار السياسي بدلا من أن تكون الديمقراطية هدفا بحد ذاتها” .

يقول “بان وي” وهو أستاذ في جامعة “بكين”: “تتحدثون عن الديمقراطية كما لو أنها دين يجب نشره في جميع أنحاء العالم، لكن الانتخابات لن تحلّ أي مشكلة من مشاكل الصين اليوم”.

ويرى “بان وي” أن الديمقراطية ستجعل الأشياء أسوأ مما هي عليه: “كلما أراد السياسيون الوصول إلى المزيد من الناخبين احتاجو المزيد من المال، فهم دوما أشخاص أغنياء يقدمون المال مقابل حصولهم على بعض الدعم من الحكومة، لذلك عندما يتم انتخابهم سيقوم الموظفون الحكوميون بخدمة المنتخَبين من ناحية ومقدمي المال من ناحية أخرى”.

ويتابع “القضية الملحّة لمعظم الناس ليست (من يجب أن يدير الحكومة؟) إنما (كيف يجب أن تدار الحكومة؟) كما أنّ الإصلاح السياسي يجب أن ينطلق من المشكلات الاجتماعية لا من المبادئ الغربية أو العالمية”.

وربما كان لأزمة كورونا والفرق الكبير في التعامل مع الجائحة بين الصين والغرب أثره الكبير على نظرة الشعب الصيني لمفهوم الديمقراطية في الغرب.

فعلى الرغم من الإعجاب الذي كان سائدا بفكرة الديمقراطية الغربية بين المواطنين الصيينين في فترة ما قبل الكورونا، إلا أن السياسة الحازمة التي اتبعتها الصين في هذا الإطار والإجراءات المشددة التي حمت الغالبية العظمى من المواطنين مقابل تحمّل الخسارة الاقتصادية المؤقتة في ظل الإغلاق الذي فرضته الحكومة الصينية في بداية الكورونا أوائل عام 2020 بعيدا عن الديمقراطية الأمريكية والمظاهرات التي تريد التعبير عن الرغبة في ارتداء الكمامة أو عدمها، أدّت إلى اندثار تدريجي لفكرة الديمقراطية الغربية، وحلّت محلها فكرة “المسؤولية الاجتماعية للدولة”.

وأما اليوم؛ وعندما يُسأل مواطن صيني عمّا يقال في الإعلام الغربي حول الصين وانعدام الديمقراطية تأتي الإجابة التالية “ليس المهم ما يقولون بل ما نفعل، سنستفيد من الإيجابيات الغربية ولكن على الطريقة الصينية وهي ديمقراطيتنا الحقيقية” .

Exit mobile version