Site icon هاشتاغ

الدين العام اللبناني .. تركة الحرب الثقيلة للجيل القادم.. فهل من دروس مستفاة في سورية ما بعد الحرب؟

هاشتاغ- سينان عابد
وصل الدين العام اللبناني إلى مستويات غير مسبوقة نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي، ملقياً أعباء كبيرة على كاهل الشعب اللبناني.
وازدادت المصاعب بعد انفجار مرفأ بيروت ومن ثم انتشار وباء كورونا وتداعياته على الاقتصاد اللبناني، وأيضاً تراجع قيمة الليرة اللبنانية أمام العملات الأجنبية.
ويصنّف الاقتصاد اللبناني بأنه اقتصاد هش، نتيجة سنوات طويلة من السياسات الاقتصادية القائمة على الاقتصاد الريعي والخدمات، والاعتماد الأساسي بعد الحرب الأهلية اللبنانية وما تلاها من أحداث سياسية متعددة كان على الاقتراض، مما حمّل الاقتصاد اللبناني أعباء كبيرة لن يكون حلها سهلاً..

دوامة من الديون والصراعات الطائفية-السياسية:
أدت الحرب الأهلية اللبنانية إلى خسائر كبيرة في الاقتصاد اللبناني، سواء على الصعيد البشري أو على صعيد البنى التحتية وتراجع الناتج المحلي الإجمالي، وقدرت خسائر الأصول المادية آنذاك بـ(25) مليار دولار، أما الخسائر البشرية فتشير الإحصائيات بأن عدد القتلى تراوح بين (90-170) ألف وعدد الجرحى حوالي (300) ألف شخص، وتعتبر هذه الأرقام كبيرة نسبة إلى عدد السكان في لبنان. مما أدى ذلك إلى موجة نزوح وهجرة كبيرة، حيث وصل عدد النازحين عن منازلهم في تلك الفترة حوالي (800) ألف شخص، أما عدد المهاجرين إلى خارج البلد فوصل إلى (880) ألف شخص. إضافة إلى هجرة رؤوس الأموال والفعاليات الاقتصادية.

أدت الأحداث السياسية المتتالية لغاية عام 1990 إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من النصف مقارنةً بعام 1975 وتراجعت المؤشرات الاقتصادية كافة. كل ذلك أدى إلى معدلات تضخم كبيرة وصلت خلال الفترة (1985-1992) إلى (140%).
وكون التضخم يعتبر “أداة قسرية لإعادة توزيع الدخل لصالح الأثرياء” فقد تراجعت الدخول الحقيقية للأفراد وزادت معدلات الفقر.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي في تلك الفترة إلى أن نسبة (20%) من السكان الأكثر ثراءً حصلت على (55%) من دخل القطاع الخاص، في الوقت الذي حصل فيه نسبة (20%) الأفقر من بين السكان على (4%) فقط.
وقد تعددت البرامج والاستراتيجيات لإعادة إعمار ما دمرته الحرب في لبنان تبعاً للظروف السياسية التي سادت لبنان تاريخياً، إلا ان جميعها لم يلقَ نجاحاً يذكر.
اعتمد لبنان على الدين (الداخلي والخارجي) لتمويل ما دمرته الحرب والأحداث اللاحقة، وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 1975 لم يكن على لبنان أي دين داخلي أو خارجي، ولكن بعد الحرب ونتيجة الاعتماد على الدين العام أُرهق الاقتصاد اللبناني فوصل الدين العام إلى (67) مليار دولار.
ترافقت الضغوطات المشار إليها أعلاه مع عدم تفعيل وتنشيط وتقوية قطاعي الإنتاج الحقيقي (الصناعة والزراعة) فتحول الاقتصاد اللبناني إلى اقتصاد خدمات ويعتمد بالدرجة الأولى على المساعدات الخارجية والهبات والديون وتحويلات الأموال وغيرها..

لبنان اليوم- اقتصاد هش ومستقبل غير مبشر
أرهقت الخلافات السياسية المستندة إلى أشكال مختلفة (دينية، طائفية، ولاءات دولية..) بالإضافة إلى الفساد، الاقتصاد اللبناني، مما حمّل دافعي الضرائب اللبنانيين خسائر كبيرة جرّاء إهمال المسؤولين وتقاعسهم وغرقهم بالخلافات المتعددة تبعاً لولاءاتهم، فتدهور الأمن المالي والاقتصادي بسبب الفساد المستشري، ودخلت البلاد في دوامة جديدة من الدين العام وتدهور اقتصادي وتراجع سعر الصرف ومستويات جديدة من الإفقار.

وقد وصل الدين العام اللبناني إلى (95) مليار دولار ما قبل انفجار مرفأ بيروت العام الماضي، وسيضاف إليها نحو (15) مليار دولار نتيجة الخسائر التي تكبدها الاقتصاد اللبناني بسبب الانفجار في المرفأ ومحيطه.
وتقدر بعض الدراسات الدين العام اللبناني حالياً بنسبة (150%) نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وفي حال استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه، سيصل إلى نسبة (300%) بعد احتساب خسائر الكارثة التي تعرض لها المرفأ، وهي نسبة لم تصلها أي دولة في العالم عبر التاريخ. ولذلك فإنّ المساعدات التي توازي قيمتها 250 مليون دولار ليست كافية.

وتوقع البنك الدولي في تقريره بنهاية العام الماضي أن ينكمش الاقتصاد اللبناني بنحو (20%)، كما رجح أن ينتشر الفقر بين أكثر من نصف سكان البلد.

وتجدر الإشارة إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي اللبناني سالب بمقدار (1.9) لغاية نهاية عام 2019، وإن متوسط دخل الفرد سنوياً يبلغ (9600) دولار، ونسبة الفقر بحدود (30%) ونسبة البطالة (36%). وحالياً (10%) من اللبنانيين يحصلون على (55%) من الدخل و(70%) من الثروة، ويحتل لبنان المرتبة الخامسة عالمياً في سلم اللامساواة في الدخل، حيث تقدر الثروات الخاصة بـ (91) مليار دولار نصفها بيد (0.3%) من اللبنانيين، كما احتل لبنان المرتبة (137) من بين (180) دولة في تصنيف الفساد عام 2019.
والجدير بالذكر، إن الاقتصاد اللبناني قائم على السياسات الليبرالية الاقتصادية التي كرست خللاً كبيراً في الدخل والثروة واستقطاباً طبقياً متزايداً مما زاد من هوة التفاوت الاجتماعي يبنى عليها الصراعات والخلافات السياسية متعددة الأوجه.

وتشير الدراسات الاقتصادية بأن أهم عوامل القصور في الاقتصاد اللبناني والتي كانت سببا في الأزمة الاقتصادية الراهنة تتمثل باعتماد لبنان على الاقتراض الخارجي لتمويل إعادة الإعمار، و بناء الاقتصاد بالدرجة الأولى على قطاع الخدمات (83% من الناتج الإجمالي) والسياحة وتدفق الرساميل الخارجية. و تراجع في القطاعات المنتجة كالزراعة والصناعة.
كما أن ثمة فوارق كبيرة في توزيع الثروة مناطقيا واجتماعياً، إضافة إلى  تحول لبنان إلى دولة استهلاكية نموذجية تمولها البنوك.
ولم يتم إصلاح الإدارة بشكل بنيوي، إذ بقيت خاضعة للمحاصصة والمحسوبية، مما كرس الفساد.
بينما تراكم الدَّين الداخلي والخارجي تدريجيا مع خدمة دين بفوائد مرتفعة.
ويقدر استهلاك قطاع الكهرباء -مثلا- بنحو نصف الدَّين الخارجي، وفق تقديرات البنك الدولي.
وتتفاقم الأوضاع سوءاً مع زيادة العجز في المدفوعات بشكل سنوي، وتضخم القطاع البنكي الذي يدفع فوائد خيالية على الودائع.

العبر الدروس المستفادة:
عانى الاقتصاد اللبناني من تداعيات السياسات الليبرالية الاقتصادية، والصراعات الطائفية وغيرها، وتدخل العديد من الدول في شأنه الداخلي، مما أوصل لبنان إلى دوامة من الفساد والتدهور الاقتصادي مؤثراً في توازن القوى الاجتماعية باتجاه ازدياد مستوى الفقر والإفقار، حيث يشكل الفقر وقود الصراعات الطائفية.
وأدى الاعتماد على الدين العام (الداخلي والخارجي) وإهمال الإنتاج الحقيقي (الزراعة والصناعة) إلى تدهور الاقتصاد اللبناني وازدياد معدلات التضخم وتراجع قيمة الليرة اللبنانية، مؤدياً كل ذلك فقدان السيطرة على السيادة الوطنية اللبنانية..
وكون سوريا تعاني تداعيات الحرب/ الأزمة الراهنة والتي أدت/تؤدي إلى نتائج كارثية بسبب الدمار والحصار الجائر وغيرها من السياسات الاقتصادية التي لا تخدم متطلبات المرحلة الراهنة.. يجب الاستفادة من التجارب الدولية في إعادة الإعمار والبناء وعدم التخلي عن المصادر الأساسية لتراكم رأس المال إلى جانب عدم إهمال التفاوت الاجتماعي الحاصل نتيجة ما سبق.

Exit mobile version