Site icon هاشتاغ

“السخرة”.. سوق العمل

السخرة

"السخرة".. سوق العمل

هاشتاغ-نضال الخضري

وسط العجز عن الذهول أو السقوط في اكتمال القسوة يظهر “سوق العمل” بشكل من استحضار التاريخ، فنحن لا ننبش في الحدث ولا نحاول قراءة حفريات قديمة لأننا نعيشها ضمن “رجوع الزمن” بشكل رمزي إلى قرون سابقة، وحالات موجودة في مرويات الأجداد عن “السخرة” التي شكلت لونا من القسوة في الزمن القديم؛ حيث العمل مفروض لكنه لا يقدم أي شيء لمن يقوم بـ”السخرة”.

نظام “السخرة” لا يحتاج لشرح مطول لأنه نقيض التطوع، ولكن “سوق العمل” عندما يتحول لانعكاس لهذا النظام فهو يمثل أكثر من مسألة عجز حكومي لأنه يطال أشكال العلاقات الاجتماعية، ويمثل انعدام أي رؤية لملاحقة “التضخم” الذي يسابق نظام الرواتب والأجور، ويكسر كل حوافز الإنتاج أو حتى “فائض القيمة” التي يحلم بها “الرأسمال”، ويبدو أن نظرية اقتصادية على وشك الظهور من قلب كارثة اقتصادية تتطور سريعا.

في سوريا وخلال ثلاثة أعوام تم استهلاك مدخرات الأفراد بشكل غير مسبوق، وبعدها ظهرت عادات اقتصادية غير مألوفة أنتجت حشدا من العاجزين عن سد رمقهم، وهذه الصورة تتكرر في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وهي ليست جديدة وربما ألفها المجتمع منذ بداية جائحة كورونا، لكنها رسمت ملامح لمجتمع لم تنهكه الحرب فقط إنما ينتقل من المعارك العسكرية إلى الصراعات الاقتصادية، ثم باتجاه الدهشة من “البقاء” تحت مظلة “الإفقار”.

هناك صورة “شاعرية” نستطيع رسمها بين “سوق العمل” أو “السخرة” وتشكيلات الترفيه القسري، أو المهرجانات التي تملك مبررات وجودها، لكنها لا تتركنا نغفو بهدوء فهي تطلق حيوية وسط حمَى المرض الذي ينهشنا، فتصبح “أناشيد” قلعة دمشق دهشة جديدة لعالم يغلب عليه جمع المفارقات أو التناقضات في مساحة جغرافية واحدة، فما بين دار الأوبرا والقلعة تبدو الصور غير المألوفة لدمشق أو حتى لغيرها من المدن السورية.

وفي “دروب السخرة” يمكن أن نجمع المزيد من الصور الفاقعة؛ ربما عن دارٍ وحيد للسينما قادرة على جذب بعضٌ ممن تبقى “خارج السخرة”، أو من يقاوم السقوط الحر داخل الثقب الأسود لـ”سوق العمل”، وحيث التناقض المر بين فيلم “أوبنهايمر” الذي يعرض في دمشق أسوة بباقي عواصم العالم، ويقابله لون باهت لأحياء تحيط بدار العرض ولا تستطيع احتواء أي تفصيل عنها، فمن زمن بعيد رحلت السينما والدراما بعد أن أصبحت أشكال الحياة تضاهيها بالقدرة على الوصول إلى الذروة الدرامية.

هي حياة في زمن “سخرة” حيث العمل عادة يومية ندرك أنها لن تغير شيئا من “الفاقة” أو الحاجة، أو العجز أمام الأجيال التي تنظر للمستقبل كحالة “سخرة” أيضا سواء بقيت أو هاجرت لتبحث لنفسها عن تصورات جديدة، وسوق عمل آخر يمنحها على الأقل أملا بأنها ستستطيع سد رمقها في القريب العاجل.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version