Site icon هاشتاغ

السوريون وانهيار القيم الاقتصادية

هاشتاغ – رأي – أيهم أسد

ليست الحروب والكوارث والأزمات، أياً كان نوعها وسببها وشدتها، بجديدة على البشرية، فالبشرية تعرضت عبر تاريخها الحضاري الطويل، وما زالت تتعرض إلى اليوم، إلى تلك الحروب والكوارث والأزمات، لكن العبرة الحقيقية تكمن فيما بعد انتهائها، وبشكل أكثر دقة تكمن في كيفية تعامل العقل البشري مع إدارة نتائجها، أي في كيفية التعامل مع نتائج ما دمرته من بشر واقتصاد وبنى تحتية، وكيفية التعامل مع مستقبل ما بعد الدمار.

وتنتج الحروب تدميراً شديد الخصوصية، غير تدمير البشر والاقتصاد، إنها تنتج تدمير “القيم” بمعناها الواسع، وهنا تكمن أصعب مهمات إعادة بناء ما تدمره الحروب، ألا وهو إعادة بناء “منظومة القيم”، فإما أن تنجح هذه المهمة ويعاد بناء تلك المنظومة، وإما أن تستمر تلك المنظومة بالتقهقر ومن ثم تسير باتجاه الانحدار أكثر فأكثر لتكوّن منظومة جديدة لا تشبه الأولى.

ولكن السؤال هو: من سيقوم بهاتين المهمتين؛ مهمة وقف تدهور منظومة القيم، ومهمة إعادة بنائها؟.
والقيم الاقتصادية المنهارة بعد الحروب ليست ببعيدة عما نتحدث عنه، فالحرب تغير من سلوك البشر، والاقتصاد في نهاية المطاف هو سلوك بشري، سلوك في العمل، والإنتاج، والاستهلاك، والاستثمار، والادخار، وتجميع الثروة، والاستغلال والمضاربة، وغيرها من بقية القيم الاقتصادية، وهذا ما حدث في الحرب على سورية وما يحدث الآن بعدها، باختصار: لقد تغيرت القيم.

شهدنا خلال الحرب وبعدها بشراً استثمروا في الحرب دون هوادة، بشراً حولوا الحرب إلى ساحة مضاربة ولو على حساب ملايين البشر الآخرين، بشراً كانت قيمهم المال ثم المال فقط، بشراً حولوا الاستثمار كقيمة اقتصادية لبناء الاقتصاد والمجتمع إلى “قيمة بدائية” قائمة على “القنص” والجمع”، على ما يتيسّر لهم من طرائد اقتصادية وما يتيسّر لهم من جمع ثروات.

شهدنا خلال الحرب وبعدها صعود أثرياء ما كانوا يوماً في مصاف رأس المال الوطني الحقيقي الذي يتكون بفعل التطور المنطقي للتراكم الاقتصادي، بشراً أصبحوا يسمون “رجال أعمال”، بشراً حولوا رجل الأعمال كقيمة استثمارية ومسؤولة اجتماعياً إلى “قيمة استعراضية” أو إلى “قيمة طفيلية” تتغذى على الريع لا على الإنتاج، وتنمي ثروتها بالاقتصاد الطفيلي لا بالاقتصاد الإنتاجي الحقيقي.

شهدنا خلال الحرب وبعدها استنزافاً لقوة عمل الآلاف من البشر، البشر الذين تحولوا إلى مجرد آلات تعمل لساعات مضاعفة من أجل البقاء على قيد الحياة دون أدنى وقت فراغ للاهتمام بمكونات الحياة الأخرى، لقد خسرنا العمل كقيمة نوعية لبناء الإنسان وتطوير المجتمع وخلق التطور، وتحولت تلك القيمة إلى “قيمة كمية” جعلتنا مثل المسننات التي لا تهدأ عن الدوران في ماكينة الاقتصاد، ومن أجل بعض من مالكي الاقتصاد فقط.

شهدنا خلال الحرب وبعدها استمراراً عنيفاً للانقسام الطبقي، وخطاً تطورياً متصاعداً له ربما لم يصل بعد إلى نهايته العظمى كونه ما زال يتطور، وخسرنا بالتالي العدالة الاجتماعية كقيمة لحماية المواطنة من التقهقر، وكقيمة لحماية الكرامة البشرية من الانهيار، وتحولت تلك القيمة إلى مجرد “قيمة إغاثية” قصيرة الأمد تقتصر على قليل من المعونات وبعضاً من الدعم الحكومي المادي دون احتوائها لبعد إنساني مديد.

كم خسرنا من قيم؟
وكم نحن بحاجة ماسة لإعادة بناء ما خسرناه؟
أليس الاقتصاد بلا قيم اقتصاد لا أخلاقي؟

Exit mobile version