Site icon هاشتاغ

“السويداء”.. الاختبار الصعب

"السويداء".. الاختبار الصعب

هاشتاغ-مازن بلال

يخرج موضوع الاحتجاجات في السويداء عن السياق العام لأي شكل من “الاعتراض” على السياسات الحكومية، فهو بالنسبة لأهالي المحافظة تعبير عام عن الاستياء من الوضع الاقتصادي، وفي المقابل فإن انعكاسه على المساحة السورية يختلف جذرياً وذلك بغض النظر عن أحقية المطالب بخصوص الحالة المعيشية.

فـ”العصيان المدني” الذي تشهده المحافظة هو اختبار لمرحلة سورية مختلفة، ورغم أن آلياته لا تختلف عما حدث في عام 2011، إلا أنه يطرح صورة مختلفة ضمن وضع سوري مركب لاتعاني الدولة فيه فقط بل أيضا السياسات الإقليمية عموما، فهو يظهر وسط واقع مغلق للأزمة السورية ويطرح مساحة خطر مختلفة عن باقي الجبهات السورية.

البحث في الحدث بذاته يبدو عبثيا لأنه يرتبط بواقع سوري اقتصادي يكسر الكثير من التوقعات بالانفراج، بينما يمكن رؤية هذا التحرك ضمن مساحة التحكم بالأزمة السورية عموما، على الأخص أن المحافظة شهدت تدخلا روسيا متكررا لتكريس المصالحات، أو حتى لتهدئة الأوضاع نتيجة بعض حالات الاضطراب، وفي المحصلة السياسية كانت “السويداء” نقطة التوازن بالنسبة لدمشق في مقابل الوضع في “درعا” المحافظة المجاورة التي كانت مسرحا عسكريا لسنوات متعددة.

عملياً، إن “الجغرافية الخطرة” للمحافظتين تضع الأزمة السورية أمام اختبار جديد وفي ظل ظرف دولي أوقف التحرك الدولي، وجعل من قرارات الأمم المتحدة بشأن سورية حالة غير قابلة للتطبيق نتيجة التناقض الذي يشهده النظام العالمي، ويبدو الوضع اليوم ضمن نطاق خاص يغلق أي باب للتأثير القوي على الأزمة السورية نتيجة الصراع بين موسكو وواشنطن في أوكرانيا، ويمكن ملاحظة مسألتين في هذا السياق:

الأولى أن الجغرافية الخطرة لمحافظة السويداء ترتبط بكونها معبرا متعدد الاتجاهات نحو سورية، وتحمل ذاكرة الحرب المحاولات المتعددة للفصائل المسحلة الدخول للمحافظة من مناطق مختلفة، فهي شكلت توازنا في مواجهة اضطرابات درعا، وهي اليوم تعود للواجهة بعيدا عن حالة الاحتجاجات بكونها مساحة “حاكمة” باتجاه العمق السوري.

تطرح “محافظة السويداء” بأكملها صورة لنوعية “الاختراق” الذي حصل خلال الحرب السورية، فهناك جغرافية بتوزع سكاني يتطلب على الأخص في زمن الأزمة رسم تصورات جديدة لمساحة سورية عموما ولأشكال التنوع المنتشر الذي لعب أدورا في تاريخ سورية الحديث ابتداء من الثورة السورية وصولا للاستقلال.

الثاني هو أن الاضطراب الذي يبدو محصورا حتى اللحظة يتُم رسمه كـ”رمزية” لعودة الروح لأحداث 2011، وبغض النظر عن الحالة الإعلامية المرافقة لهذا الموضوع، لكنه في الواقع يكرس خصوصيات لكل “محافظة” أو حتى مدينة، وهذا الأمر يعاكس حالة ظهور الدولة السورية التي أصبحت فيها “المكونات الاجتماعية” تعبيرا عن السيادة.

لم تجمع “الثورة السورية” ضد الفرنسيين أوائل القرن الماضي زعماء المناطق، إنما عبرت عن تفكير خاص يجعل “سوريا” رمزا في مواجهة الأخطار، فهناك ثقافة عامة أدخلت محافظة السويداء ضمن الذاكرة السورية كحالة متفردة في ظهور الدولة الحديثة، فالمعارك التي خاضتها ضد الفرنسيين كشفت حالة خاصة في أي صراع تخوضه سورية.

خطورة ما يجري في السويداء لا يظهر في الحالة المطلبية التي أدت للعصيان المدني، إنما من خطورة تأثير الحدث على التصورات التي حملها السوريون من مراحل ما قبل الاستقلال، وفي المقابل فإنها أيضا تقدم الاختبار الخطر للجغرافية السورية بعد حرب أعادت أشكال التوازن الإقليمي.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version