Site icon هاشتاغ

السويداء .. من الطاولة إلى الطاولة

السويداء .. من الطاولة إلى الطاولة

السويداء .. من الطاولة إلى الطاولة

هاشتاغ-سامر ضاحي

يعيد حراك السويداء سؤال اللامركزية الجوهري في سوريا، ويتشعب إلى موقع المجتمعات المحلية ضمن بنية الدولة ومؤسساتها، وما يفرضه هذا من التزامات متبادلة للمؤسسات الرسمية من جهة والمؤسسات السلطوية من جهة أخرى، ومنظومة العلاقات مع القوى المحلية على المستويين المركزي والمحلي.

ولما كانت مقاربة الحراك مشابهة لمقاربة حراك 2011، ورغم عدم إنتاج نماذج جديدة فيه- باستثناء الحفاظ على سلميته- حتى بشعاراته التي تم تجاوزها بتوافق دولي وإقليمي، بقيت المقاربات تنظر له كعامل تهديد وجودي للسلطة وللنظام السياسي القائم، وهو ما يستدل عليه بما ظهر من مناصرة له من القوى المعارضة وبعض قوى الأمر الواقع في جغرافيات لا تسيطر عليها السلطة المركزية. وإن كانت حالة رفضه في جغرافية نفوذ السلطة بقيت محدودة ومقتصرة على العالم الافتراضي دون تحركات جدية على الأرض، رغم ما يبدو من ضبط مركزي للأمر بموازاة الإصرار الرسمي على الصمت تجاه ما يحصل.

إذن لا يزال الحراك مجرد اختبار قاس جديد في سلسلة الاختبارات التي تعرضت لها السلطة تباعاً، والتي لم تقدم فيها أي نماذج مبتكرة للحل بقدر ما عولت على عامل الزمن والتفتيت الذاتي لكل اختبار قبل تحويله لمشهد آخر من مشاهد انتصارها بمفهومها الخاص، دون أن يرافق هذا الانتصار شعور بالرضا العام من قبل فئات المجتمع، أي ما يسمى مشروعية مجتمعية، وصولاً إلى شعور بالفصام المصلحي بينهما.

وبعيداً عن مناكفات غير منتهية للأسباب والمظاهر والمواقف المتبادلة، لا بد من مقاربة الحراك في ضوء ممكنات الحل ومفاتيحه، ولعل ارتباط أسبابه المباشرة بسياسات حكومية “اقتصادية” يفتح الباب أمام احتمالية أن يكون البحث عن حلول في السياسات الحكومية نفسها، باعتبار الحل مسؤولية سلطوية. لذلك؛ فإن أبرز الفرص هي التوجه الحكومي اليوم إلى تعديل قانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم رقم 107 لعام 2011، ومحاولة شرعنة هذا التوجه ودعمه بحوارات في المحافظات عقدت بعضها في ريف دمشق وحمص واللاذقية ودير الزور، بينما سيكون موعد محافظة السويداء في 23 تشرين الأول المقبل بحسب ما ورد في “البرنامج الخاص بالندوات واللقاءات الحوارية” الذي تم تداوله.

من هنا يمكن لطاولة السويداء حول الإدارة المحلية أن تمتلك مفاتيح الولوج إلى الحل. ولكي يتحقق ذلك يمكن إضافة مطالب المحتجين إلى موضوعات الطاولة، لأنه لا يمكن التعويل على استدامة الحراك وقدرته على خلق تغيير فعلي في السلطة أو حتى في تعاطيها المحلي، باعتبار أن طرح المطالب العالية مباشرة أغلق أفق الخط البياني الصاعد للحراك وفرض خطاً بيانياً تنازلياً، وكذلك تناقض المطالب السياسية. فـالدعوة إلى “إسقاط النظام” ينفيها تماماً القرار “2254”، والدعوة للتراجع الحكومي عن قرارات رفع الدعم غير ممكن التحقق في ظل سياسات سابقة كانت تمهد لهذه القرارات، وغياب تبني الحراك في مناطق أخرى كلها عوامل تعيق إمكانية تطوره.

كما تتطلب الطاولة المقبلة إضافة القوى السياسية والمدنية وحتى المؤسسة الدينية المشاركين في الاحتجاج في المحافظة إلى أطرافها، بسبب غياب قوى وازنة تعبر عن الحراك وتمثله، وهذا ليس بسلبية مطلقة، لكن قوى الحراك لا تزال إلى اليوم غير واضحة المعالم، ويمكن في أي لحظة أن يشهد تنازع قوى الدين والمجتمع المدني والقوى السياسية فيتعرض للتآكل الذاتي، على الرغم مما يبدو من توافقهم حوله، وأي انسحاب لغطاء المؤسسة الدينية قد يجعل الحراك مكشوفاً وينهيه ما يعكس ضعف القوى السياسية والمدنية هناك، وهو ما أظهره منطق اللاتواصل الرسمي بعد مضي أسبوعين على اندلاع الاحتجاجات.

من زاوية أخرى فإن ما يكبح جماح التفاؤل بالطاولة المفترضة هو ضيق أفق طاولات الحوار السابقة التي أقامتها السلطة، مع ما يشكله ذلك من ضغط كعامل إضافي من المرجح أن يزيد من وطأة الاحتجاج بدل التقدم باتجاه الحل، فالمقاربة المركزية للأمور والقضايا المختلفة كما ظهر من كل الطاولات السابقة لم تقدر على إنتاج أي نماذج مبتكرة للحلول، بل إن طاولات البحث المركزية لا يمكن تبرئتها من التسبب بالمشكلات في المجتمعات المحلية، إذ أن كل القرارات الاقتصادية في السنوات الأخيرة مثلاً كانت مبنية على حوار مفترض بين الحكومة و”لجنة اقتصادية” رديفة لها، كما أن قرارات رفع الدعم جاءت بعد طاولة جمعت الحكومة ومجلس الشعب و”اللجنة الاقتصادية” فأفرزت ما أفرزته.

من هنا لا بد من حماية طاولة السويداء حتى يتم استخدامها كنموذج قابل للتعميم على المحافظات الأخرى، باعتبار مصالح المجتمع المحلي هناك واضحة ومتبلورة، وقدرته على إفراز ممثلين أكبر من مجتمعات أخرى، لذا هذه الحماية ضرورية للغاية، ولا تعني الحماية المفهوم الأمني الضيق بل تتسع برفع مستوى أهمية الحوار الوطني من قبل السلطة نفسها، مع اعتبار افتراضي أن صاحب المطالب يدرك أهمية أي حوار ينخرط فيه.

هذه الحماية قد تتطلب إجراءات وتشريعات خاصة تصل إلى درجة الإلزام بمخرجات الطاولة، لذلك سيكون من الأفضل أن تتمثل السلطة المركزية أيضاً على الطاولة، لأن أي تعديل لقانون الإدارة المحلية يجب أن يلبي احتياجات المجتمعات المحلية نفسها، ويشكل حراك السويداء بيئة اختبار موضوعية للوصول إلى مقترحات نوعية تعكس تصور المركز للمحليات بنفس الدرجة التي تعكس تصور المحليات لنفسها ضمن الإطار الوطني العام، أما قصر التعديلات على الإجراءات الخدمية كما رشح من الطاولات السابقة فيبقى التزاماً فضفاضاً لا يعكس الاعتراف بالمكونات المحلية وآمالها المرفوعة منذ 2011.

كما أن تواجد السلطة على طاولة الحوار له أهمية لناحية بنية الدولة، وتكمن في نزول المركز إلى المحليات وإعادة تصور لشكل الدولة التي بقيت مركزية لا تستوعب الحالات المحلية بعلاقات وبنى مؤسساتية مما أتاح لها نسفها في أي وقت، وجعل المؤسسات المحلية والوطنية تعكس خريطة المركز لا واقع المحليات، وكذلك حضور الفاعلين في هذه المؤسسات، وهو ما يتسبب على الدوام بشعور عدم الرضا العام تجاه مختلف السياسات.

 

Exit mobile version