العقلانية الاقتصادية وإدارتها

هاشتاغ_رأي أيهم أسد

تبني النظرية الاقتصادية العامة أحد مبادئها الأساسية على فرضية “السلوك العقلاني”، سواء كان هذا السلوك نابعاً من الأفراد أم من القطاع الخاص أم من الحكومة.

عماد هذه الفكرة كلها أن إفساح المجال للأفراد والمؤسسات الخاصة والمؤسسات العامة للتصرف بحرية تامة ودون قيود،
أي تركهم للعمل وفق “عقلانيتهم” الخاصة، إنما سيؤدي إلى تحقيق العقلانية على المستوى الكلي، أي “العقلانية الكلية”.
لكن هذه الفكرة ما زالت تتعرض حتى اليوم إلى نقد شديد، وهي أنها قد لا تكون صحيحة أبداً، وأنه من المفترض ضبط “العقلانيات” الفردية والخاصة والحكومية باعتبار أن حاصل تلك العقلانيات المنفرد لن يؤدي بالضرورة إلى عقلانية كلية، بل قد تأتي نتائجها بصورة عكسية، أي بضرر كلي.

وغالباً ما تظهر هذه الحالة في قطاع الزراعة بشكل عام عندما لا يكون ذلك القطاع مخططاً له بصورة جيدة من قبل المؤسسات المسؤولة عنه.

فالأسعار المرتفعة لمحصول معين في أحد السنوات قد تدفع كل المزارعين لزراعة المحصول ذاته في السنة التالية،
وهذا من حيث المنطق سلوك عقلاني فردي يتبعه المنتج لتحقيق أقصى منفعة له.
لكن كثرة عرض المنتج في الأسواق نتيجة كثرة السلوكيات الفردية العقلانية سيؤدي حكماً إلى انهيار سعره، وسيخسر المزارعون جميعهم.
أي أن النتيجة الكلية لهذا السلوك الفردي العقلاني لم تكن عقلانية ولم تحقق مصالح المزارعين العقلانيين.

هذا ما يحدث للكثير من السلع الزراعية بشكل متكرر في الاقتصاد السوري، وهو ما حدث مؤخراً في سوق “الثوم”.

فارتفاع سعره العام الماضي ووصوله لمستويات كبيرة جداً أغرى المزارعين في هذا الموسم بزراعة المزيد منه، متوقعين ارتفاع سعره مثل العام الماضي، و وجود تصدير له أيضاً، لكن ذلك لم يحدث أبداً، فازداد العرض من المادة بشكل كبير جداً ولم يكن هناك سياسة تصدير واضحة له، فانهار السعر.
المطلوب دائماً هو إدارة العقلانية الاقتصادية، وليس المقصود بإدارتها أي التدخل المباشر والدائم من قبل الحكومة فيها،
بل الحوار التشاركي بين جميع الأطراف لمنع انهيار العقلانية.
فلو كان هناك حوار فعال بين المزارعين والاتحاد العام للفلاحين واتحاد غرف الزراعة ووزارة الزراعة ووزارة الاقتصاد
والتجارة الخارجية لأمكن لنا إدارة العقلانية بشكل أفضل.
أليس لنا في تكرار المشكلات الاقتصادية دورساً كي لا تكرر ثانية؟