Site icon هاشتاغ

الكوليرا في سوريا.. تلوث المياه يفتح باباً جديداً لحصد أرواح السكان 

هاشتاغ – إيفين دوبا

لم تنتظر وزارة الصحة السورية طويلاً بيان منظمة الصحة العالمية التي حذّرت فيه من أنّ خطر انتشار مرض الكوليرا في سوريا “مرتفع للغاية”.

وتشير المعلومات التي وردت في بيان وزارة الصحة السورية إلى ثبوت تسجيل 53 حالة إصابة بالكوليرا، وجميعها تخضع للعلاج والعزل ضمن المستشفيات حتى الخميس الماضي.

وتوزعت الإصابات بحسب البيان، في حلب اثنان وعشرون إصابة، والحسكة ثلاثة عشر، ودير الزور عشر إصابات واللاذقية ست إصابات وفي دمشق إصابتان.

وذكر البيان أن العدد الإجمالي للوفيات بلغ سبع وفيات أربعة منهم في حلب وحالتا وفاة في دير الزور، والحسكة حالة وفاة.

التحذير العالمي جاء بعد الإعلان نهاية الأسبوع الماضي عن تسجيل إصابات للمرة الأولى منذ العام 2009.

وقال المنسق المقیم ومنسق الشؤون الإنسانیة للأمم المتحدة في سوریا عمران ریزا إنه “يُعتقد أن مصدر العدوى مرتبط بشرب میاه غیر آمنة. كذلك استخدام میاه ملوثة لري المحاصیل”.

وبالرغم من أنّ سبب انتشار الكوليرا معروف “المياه غير النظيفة” إلا أنّ المعنيين في الحكومة السورية يعلنون أرقام الإصابات وبعض الإرشادات الوقائية فقط.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” قد قالت، في أيار/ مايو 2021، إنّ نحو 12.2 مليون شخص في سوريا يحتاجون للوصول إلى المياه والصرف الصحي، بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية خلال سنوات الحرب.

العوامل التي تؤدي للإصابة بالمرض وعلى رأسها تلوث مياه ري المزروعات، واستخدام مياه غير موثوقة المصدر للشرب جميعها حاضرة بقوة في أغلبية مناطق سوريا.

سبب العلّة

ترجح معظم المؤشرات أن، تلوّث المياه هو السبب الرئيسي، وبحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في نيسان/أبريل، أدت الحرب في سوريا إلى تضرر قرابة ثلثي عدد محطات معالجة المياه ونصف محطات الضخ وثلث خزانات المياه.

وتنتشر بكتيريا الكوليرا ضمن مناطق سكنية تعاني شحّاً في مياه الشرب أو تنعدم فيها شبكات الصرف الصحي.

وتنتقل عن طريق الأغذية أو المياه الملوثة، أو من خلال ملامسة البراز أو القيء المتأتّي من الأشخاص المُصابين بالمرض.

وقد يفقد المريض ما يصل إلى 25 لتراً من السوائل يومياً، ويمكن أن تُسبّب الكوليرا إسهالاً شديداً وتقيؤاً، فتتحوّل بسرعة إلى مرض قاتل، في غضون ساعات، إذا لم يتمّ علاجها.

مديرة شركة تنقية مياه في العاصمة دمشق (رفضت ذكر اسمها) قالت لـ”هاشتاغ” إنّ للحرب دور في عدم الحصول على مياه نظيفة”.

وتذكر المديرة أسباباً أخرى لها علاقة بتبعات الحرب والمعتاشين عليها في عدم وجود مياه نظيفة ومعقمة.

وتقول: “أغلبية المسؤولين عن قطاع المياه لا يتابعون أعمالهم. في فترة ما قبل الحرب كان هناك التزام وصرامة”.

وتتابع: “أساليب الحكومة في معالجة المياه ملتوية. ومع تكرار الأزمات الصحية في سوريا والحاجة لوجود مياه نظيفة لا يزال الوعي عند أغلبية السوريين حول أهمية الحصول على مياه نظيفة، قاصراً”.

في فترة الحرب وما قبلها، تخزن المياه في خزانات بلاستيكية “مياهها الراكدة في حال كانت نظيفة تتجرثم بعد وجودها في الخزان مدة أربع ساعات متواصلة بدون تحريك”.

وتقول المديرة: “حتى نهر بردى كله طحالب وجراثيم. عرضنا على الحكومة السورية مشروع لتعقيم النهر لكن رفض بسبب عدم وجود السيولة الكافية”.

محطات ومياه

والوضع في شمال سوريا “حيث تتضارب التصريحات حول أعداد الإصابات بين المسؤولين الحكوميين والمجموعات التي تسيطر هناك” ليس أفضل حالاً من المناطق التي تم إعلان وجود إصابات بالكوليرا فيها.

وقال مدير مؤسسة مياه الحسكة في الشمال السوري، المهندس محمود العكلة، حيث تقطع تركيا مياه محطة علوك منذ أكثر من خمسين يوماً، إنه حذرنا مراراً من مصادر المياه “صهاريج متنقلة وآبار سطحية” يضطر أن يلجأ إليها السكان بسبب قطع المياه عنهم كل عام.

ويضيف العكلة أن لجوء الناس لمصادر الشرب غير الآمنة هو لتعويض نقص المياه بسبب أزمة محطة آبار علوك التي خرجت عن العمل مراراً منذ دخول القوات التركية إليها في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2019.

والارتباط المباشر بين وقف خدمات المحطة يظهر من خلال تحول فصل الصيف إلى موسم للأمراض وبنسب كبيرة في المنطقة، كالتسمم الغذائي والعصيات القولونية “الزحار” والإسهال.

وقال المسؤول السوري، في حديث لـ”هاشتاغ” إنّ بعض المنظمات في المحافظة قدّمت محطات لتحلية المياه هناك لضمان نظافة المياه “لكهنا لا تسدّ احتياجات كل السكان”.

ويعتمد نحو نصف السكان على مصادر بديلة غالباً ما تكون غير آمنة لتلبية أو استكمال احتياجاتهم من المياه، بينما لا تتم معالجة سبعين في المئة على الأقل من مياه الصرف الصحي، وفق اليونيسيف.

وتتضاءل قدرة المنظمات الدولية على تقديم الخدمات في هذا المجال جراء نقص التمويل.

وبحسب منظمة أطباء بلا حدود، شكلت خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحيّة أربعة في المئة فقط من ميزانيّة الاستجابة الإنسانيّة بأكملها في جميع أنحاء سوريا خلال العام الماضي، وهو أقل من ثلث ما تمّ إنفاقه عام 2020 على الأنشطة ذاتها.

حول هذه النقطة، تقول مديرة شركة تحلية المياه بدمشق، إنه في فترة الحرب السورية كان للمنظمات المعنية دور في إقامة تلك المحطات.

لكن “حتى المنظمات التي تعمل لا تختار الأشخاص المناسبين لمتابعة العمل بين الشركات التي ومؤسسات الدولة”.

وتشير المديرة إلى أنّ المنظمات تعمل على إنشاء محطات معالجة للآبار لكنها لا تجري اختبارات التأكد منها إلا بعد عام. فـ”المفروض وجود مرحلة اختبار كل شهر وهذا لا يتحقق في محطات التحلية والتنقية التي يتم تركيبها”.

وتتابع المديرة: “كل التفاصيل التي تؤدي إلى وجود مياه معقمة ونظيفة في سوريا غير متوافرة”.

وتقول: “تم إنشاء معمل للكلور بريف دمشق من أجل ضمان الحصول على مياه معقمة ونظيفة. لكن أحد العاملين في المعمل أخبرنا أنه يتم سرقة تلك المواد بسبب الأجور الضعيفة للعاملين”.

يضاف إلى الأسباب السابقة الاعتماد على الشركات الخاصة والمقاولين الذين لا خبرة لديهم بالعمل ” الناس الخبرة كلها هجرت البلاد”.

وتذكر إحدى الحوادث التي حصلت في منطقة المعضمية بريف دمشق؛ إذ “تم خلط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب وتسمّم العشرات وتم العمل على لفلفة الموضوع بسرعة”.

وحوادث مماثلة أخرى قال عنها مدير الاستثمار والصيانة بمؤسسة مياه الشرب بدمشق، جمال حمودة لـ”هاشتاغ” إنها تنشط في مناطق السكن العشوائي، وتكلف المؤسسة مبالغ كبيرة.

وقال مدير عام مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي في دمشق وريفها محمد عصام الطباع إنه: “يجب التشدد بشكل أكثر على موضوع تعقيم المياه في ظل التخوف من انتشار وباء الكوليرا”.

وأشار إلى أن التعقيم لا ينقطع من كل الوحدات الاقتصادية ومراكز الضخ وأنه يتم تزويدها بشكل دوري بهذه المادة.

وتعود مشكلة شبكات المياه والصرف الصحي وما تسببه من أذى للأهالي في أغلب الأحيان لسوء التنفيذ، بحسب مديرة شركة التحلية وعدم الالتزام من قبل المتعهدين بالتنفيذ وفق المواصفات الفنية والعقدية لدراسات المشاريع.

إلا أنه ورغم الخلل الكبير في التنفيذ لا تتم محاسبة أي أحد عن الاستهتار بحياة المواطنين من خلال سوء التنفيذ، نتيجة لانتشار الفساد والمحسوبيات.

العلاج.. بسيط

بالرغم من سهولة الوقاية منها وعلاجها، تصيب الكوليرا كلّ عام ما يصل إلى أربعة ملايين شخص في جميع أنحاء العالم. ما يؤدي إلى وفاة نحو مئة وأربعين ألف شخص.

ومع ذلك، فإنّ علاج الكوليرا بسيط للغاية، يتحقّق عبر تعويض السوائل المفقودة من الجسم. إذ يستجيب معظم المرضى بشكل جيّد لأملاح الإماهة الفموية والتي يسهل على المرضى تناولها.

كما ويُعطى المرضى السوائل عن طريق الوريد في الحالات الأكثر خطورة. لا ينبغي أن يموت أي شخص بسبب الكوليرا في ظلّ توفّر علاج، إلا أنّ المرض يحصد حياة أكثر من مئة شخص سنوياً.

وتضيف المديرة سبب مهم للوقاية يتمثّل في درجة الوعي عند السكان، وتقول:” أكثر من تسعين في المئة من السكان لا يقومون بإجراء اختبارات على نظافة المياه الواصلة إلى منازلهم”.

وتقول: “مخابر تحاليل المياه بدمشق وريفها مرتبطة بمخبر الفيحاء التابع لوزارة الصحة السورية تبلغ تكلفته 140 ألف”. و”السوريون يهتمون بلقمة العيش”.

وفي استطلاع بسيط يمكن التأكد من وجود حالات لا تحصى من أمراض التهاب الكبد، الالتهابات المعوية والجهاز التناسلي والبولية غير الترسبات الرملية بالكلى ضمن المستشفيات السورية حتى ما قبل انتشار الكوليرا.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version