Site icon هاشتاغ

في الصين علاج للعشوائيات..وفي سوريا “فالج لا تعالج”

هاشتاغ _ لجين سليمان

تشكّل المجتمعات العمرانية ذاكرة اجتماعية للمدن، فالظلم الذي يطال مجموعة من الأبنية لا يقع على الحجر فقط بل يطال البشر أيضا، وبذلك يندمج “الحجر” بوجدانيات الناس، فيشكّل بيئة محيطة إما عشوائية توحي بفوضى الفقر أو منظّمة تغذّي النفوس بالجمال.

هذا ما يؤكده قول الزعيم الصيني الراحل مؤسّس عصر الإصلاح والانفتاح “دنغ شياو بينغ” إذ يقول: “ينبغى أن تلمس حجارة النهر قبل عبوره”، ولذلك كانت الحكومة الصينية تراعي الواقع والظروف والمستوى المعيشي والاقتصادي للعشوائيات، وطبيعة ثقافة أهلها قبل التحرّك لبناء مدن حديثة.

بعيدا عن الإطالة والمقارنات نجد أنّ النهوض بالعشوائيات كان أداة أساسية اتخذتها الصين للوصول إلى مجتمعات حديثة ومتطورة بالبشر والحجر على حدٍّ سواء، انطلاقا من معالجة ملف العشوائيات والتي ستُبنى مدن في مكانها.

وعموما يوجد في الصين حالتين لعلاج أي ملف عشوائي؛ في الحالة الأولى أنّه إذا ما استخدمت أراضي الأبنية العشوائية لأغراض غير سكنية كبناء حديقة مثلا، عندها يتمّ تقدير أسعار المنازل بالقيمة الحقيقية ليُعطى بدل سكن للمواطن بالقيمة ذاتها، وهو ما يعني أنّ السكان سيأخذون حقوقهم بالكامل، مما يسمح لهم بأن يستقرّوا في سكن دائم بالقيمة الاجتماعية ذاتها التي كانوا موجودين فيها.

أما الحالة الثانية: وهي بناء منطقة سكنية مكان المنطقة العشوائية فعندها يُعطى للمواطن بدل إيجار بالقيمة الحقيقية مما يتيح له الحصول على منزل لمدة معينة ريثما ينتهي البناء الأساسي ومن ثمّ يعود إلى منزله في المنطقة ذاتها بسكن أكثر حداثة، علما أن ملكية الأرض في الصين هي للدولة، إلا أن الدولة وفي هذه الحالة أهل لهذه الملكية، لأنها تهدف إلى إدارة الصالح العام بما ينسجم مع التخطيط العمراني بالكامل، أي بما ينسجم مع ما مستقبل كل جزء من المدينة.

ما يجري في الصين يتنافى مع مجريات نفس المسألة في سوريا، وما حصل في منطقة “خلف الرازي” في دمشق على وجه الخصوص، حيث وُعد السكان بسكن بديل وأخذوا بدل إيجار غير عادل لا يوفر لهم سكنا حتى في أطراف دمشق، على أمل إنشاء المدينة الموعودة (ماروتا سيتي، وباسيليا سيتي) وغيرها من الأسماء الرنانة التي تناسب شعارات المرحلة الرنانة أيضا.

تلك المناطق التي كلما صُبّت فيها أساسات بناء ضجّت الصحف بحجم الإنجاز الكبير، وكأنّ هذه الأساسات هي إعجاز هندسي في الوقت الذي أصبحنا نرى فيه الأبنية تتسلق السماء خلال أيام.

وبالعودة إلى الصين، فمن السياسات التي اتبعتها الحكومة للقضاء على التجمعات الفوضوية هي: “القضاء على العشوائيات في الشوارع الرئيسية أولا، ومن ثم في الطرق الفرعية، فقد خصصت الحكومة الصينية ميزانية لمشروع تجديد وإصلاح العشوائيات بلغت 27.7 مليار يوان صيني لعام 2012، كانت من أهم ملامح هذه المرحلة إعادة تنظيم وتخطيط المناطق العشوائية، فبدل الأسواق العشوائية قامت ببناء أسواق عصرية بجانبها ثم أعطت لكل صاحب محل عشوائي محلا عصريا حديثا، وهكذا تمّ الانتقال من السوق العشوائي إلى السوق العصري بسلاسة تامة”.

وكانت الحكومة الصينية وعدت في عام 2017 بأنها ستنهي برنامجا يستمر العمل به ثلاث سنوات لتسليم 18 مليون منزل جديد في المناطق الحضرية المتداعية في جميع أنحاء الصين.

و ذكرت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية والريفية أنّ الحكومة استثمرت (215.2 مليار دولار أمريكي) فى عام 2016 لبناء 6.06 مليون منزل جديد من أجل إعادة تطوير مدن الصفيح بزيادة 60 ألف منزل عن الرقم المستهدف فى العام الماضي ، حيث كان العدد 6.01 مليون في عام 2015.

ربما في الوقت الذي استقرّ فيه أهل الصين في منازلهم، كان أهالي منطقة “الرازي” يغادرون منازلهم للتشتت في أماكن أخرى مع بدلات مالية غير كافية، وربما هو أحد الأسباب الذي خلق من الصين مجتمعا متجانسا ومن سوريا شتاتا في دول العالم كافة، وهذا يضاف إلى دور الحرب والذي لا يمكن إنكاره.

وحتى اللحظة عند الصعود ليلا إلى مرتفع عالي في مدينة مضيئة ، لا يمكن تخيلها إلا أنها الشام، لدرجة يخرج التعبير التالي لا إراديّا من الفم: “الله على إطلالة الشام الحلوة من الطابق 47” رغم أننا لا نملك في العاصمة “دمشق” أكثر من طوابق عشر مبنية بجانب مجتمعات عشوائية، عشوائية بشكل تدفع إلى الحقد على كل بناءٍ عالٍ مازال قادرا على منع نفسه من السقوط.

http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version